أية محاولة جدية لوقف الحرب السورية المجنونة جديرة بفرصة. اي مسعى لوقف حمام الدم المستمر منذ نحو أربع سنوات يستحق الدعم الدولي. في ظل الانقسام المستشري في صفوف الجبهة المعارضة والنجاحات المستمرة لـ”الدولة الاسلامية” على مرأى من مقاتلات الائتلاف الدولي، وفي غياب اي أفق لحل اقليمي أو دولي لسوريا، تصير فكرة انشاء حيز آمن ولو ضيقا، الامل الوحيد لتخفيف معاناة السوريين وكسر الجمود السياسي الذي تعانيه الازمة السورية.من هذا المنطلق، يبدو اقتراح المبعوث الدولي ستيفان دوميستورا البديل الوحيد من البراميل المتفجرة ومن معاناة السوريين المحاصرين بين نارين.ولكن هل تبدو فكرة المبعوث الدولي الثالث في أربع سنوات قابلة للتنفيذ؟.
يقول السوريون إن من يربح حلب يربح الحرب في سوريا. وهو قول يعكس الأهمية المعنوية والرمزية لهذه المدينة المنقسمة والنازفة. فهل يلتزم الجيش السوري “تجميد النزاع” في المدينة وقت تحرز قواته تقدما فيها وتضيق الخناق على آخر معاقل المعارضة؟
منذ انضمت فصائل من المعارضة الى الاكراد في معركة كوباني ضد “الدولة الاسلامية” ، كثف النظام هجومه على حلب وسيطر على مناطق للمعارضة، وآخرها مخيم مرتبط مباشرة بمناطق تمتد الى الحدود التركية وتعتبر خط الامداد للمجموعات المسلحة المنتشرة داخل مدينة حلب القديمة.
اما وصف الرئيس بشار الاسد للخطة بأنها “مبادرة جديرة بالدرس” فليس كافيا لضمان تنفيذ قواته اياها. فالرئيس الساعي الى تلميع صورته يراهن ضمناً على عجز مكونات الفريق الاخر عن اتخاذ موقف موحد منها.
فعلاً، يهجس بعض الفصائل بتجربة حمص التي حولها النظام من هدنة محلية الى فرصة استسلام للمقاتلين. يخشى هؤلاء أن يقبل النظام بتجميد النزاع في حلب ليتحرر من ضغط المواجهات في المدينة وينقل معركته الى مكان آخر قبل أن يعود وينكّل بمن بقي منهم في المدينة. وفي المقابل، ثمة فصائل أخرى تعاني نقصا حاداً في العتاد قد ترحب بالتجميد.أما “جبهة النصرة” وفصائل اسلامية أخرى، فقد توعدت علنا مواصلة القتال ولن يستطيع دوميستورا ولا غيره ردعها في ظل المكاسب التي تحققها في مناطق أخرى.
يتحرك المبعوث الدولي على الجبهات المتنافسة معززا بدعم روسي وأميركي.يراهن على أن تجميد النزاع في حلب كفيل بتحريك العملية السياسية لايجاد حل طويل الامد للنزاع. غير أن ثمة من يخشى نتائج عكسية قد تكون لها آثار متفجرة على النزاع.فمع أن “السلام” في اي حرب يحتاج الى “هدنة” ما لينفذ منها، قد يؤدي استغلال النظام خصوصاً تجميد النزاع لتعزيز مكاسبه، الى انهيار الخطة ، فتتحول الهدنة مجرد استراحة محاربين قبل جولات جديدة من الاقتتال والعنف.