لم يفهم أحد الأقطاب السياسيين بعد الأسباب التي دفعت الرئيس فرنسوا هولاند لزيارة بيروت. وجاءت النتائج المباشرة لهذه الزيارة معزِّزة الإقتناع الذي كان لديه عندما سأله أحد الساعين اليها قبل أشهر، بأنها غير ضرورية طالما أنّ لبنان لم ينتخب رئيسه بعد وليس لدى الزائر أيّ مخرج. فما هي الوقائع التي عزَّزت هذا الإقتناع؟
بعد ساعات قليلة على مشاركته في فاعليات قصر الصنوبر ومواكبته لتلك التي رافقت وجودَ هولاند في بيروت تربّع القطب السياسي إياه على أريكته متحدّثاً عن «مسلسل الأخطاء ـ الجرائم» المرتكبة على يد بعض القادة اللبنانيين.
فقال: «في كلّ ما حصل منذ ما قبل أن يحلّ الشغور الرئاسي في قصر بعبدا وبعده، كثير ممّا يثبت قول عدد من القادة والموفدين الدوليين أنّ اللبنانيين يتقنون فنّ تفويت الفرص وحرقها الى النهايات التي لا تخدم مصالح اللبنانيين أنفسهم ولغايات شخصية وموقتة.
والأخطر أنها زادت من الشروخ في ما بينهم نتيجة الخروج على أبسط ما تقول به كلّ أشكال الديموقراطية. وهي أساليب استقاها البعض من عصور الوصاية التي كانت تحسم كلّ الخيارات الكبرى وفق ما تقول به حصراً.
ويتوسع هذا القطب في توزيع المسؤوليات عن استمرار الشغور الرئاسي ما بين أصحاب المنطق الذي يدفع البعض الى التباهي بقدرته على تجميد الإستحقاق الرئاسي عبر تعطيل النصاب القانوني في مسلسل جلسات انتخاب الرئيس الى أجل من جهة، وآخرين يتقنون فنّ تعقيد الأمور وطرح المستحيلات بهدف الوصول الى معادلة سلبية ليس من السهل تطبيقها أو الخروج منها وقطع الطريق على أيّ مسعى يمكن أن يوفّر حلّاً أو مخرجاً لعقدة من مسلسل العقد القائمة.
وعندما قدّم القطب نفسه هذه المعادلة اللبنانية السلبية قبل إشارته الى نتائج زيارة هولاند لبيروت لم يكن يقصد التركيز عليها، بل بهدف الإشارة الى الأجواء اللبنانية التي تزامنت وزيارة الضيف الفرنسي الكبير الذي لم يكن يملك أيّ خريطة طريق أو مبادرة للخروج منها لا على المستوى الداخلي ولا الإقليمي ولا الدولي.
ويضيف: «كان هولاند صريحاً في لقاءأته ولم يَعِد مَن التقاهم بشيء. فهو يدرك كلّ هذه المعطيات بتشعباتها الممتدة من بيروت الى آخر مواقع السلطة في طهران والرياض، عدا عن عواصم حلفاء الطرفين. وهو يعرف قبل غيره من اللبنانيين أنّ حركة موفديه ما بين هذه العواصم لم تؤتِ ثمارها. رغم الوعود التي لم تترجم ومجموعة من النصائح بوقف أيّ حراك ديبلوماسي في هذا الملف، لم يتبدل شيء الى اليوم».
ولا ينسى هولاند وديبلوماسيوه أنّ الإيرانيين كانوا في مواجهة قويّة مع المجتمع الدولي في أثناء المفاوضات النووية ويسعون الى وقف العقوبات التي خضعت لها بلادهم، وأنهم ليسوا في وارد تسليف الفرنسيين أو تسليمهم أيّ من مفاتيح الحلّ لا في لبنان ولا في غيره من المواقع على مسرح الأزمات التي كانت مشتعلة بوجوه وأشكال عدة.
وعليه، فقد كان واضحاً أنّ زيارة هولاند للبنان افتقدت أيّ وجه من وجوه الزيارة الرسمية وقد تحوّلت زيارة عمل. فليس في لبنان نظيرٌ له في قصر بعبدا وهو ما دفع بكلٍّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام الى ترتيب استقبالٍ له في المقار الرسمية في ساحة النجمة والسراي الحكومي.
ولم يكن إختيار نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع سمير مقبل ليستقبله في المطار مجرد مصادفة. فلم يكن منطقياً أن تستقبله الحكومة اللبنانية التي تمارس صلاحيات نظيره رئيس الجمهورية وكالة.
ولذلك فقد أُلغيت كلّ التحركات التي كان هولاند ينوي القيام بها، ما عدا جولته على النازحين السوريين وحُصرت بالأرض الفرنسية في قصر الصنوبر. فسقطت كلّ الأفكار التي طُرحت لترتيب زيارته الى رأس الكنيسة المارونية في مطرانية بيروت بعد استحالة زيارة بكركي لأسباب تتصل بالوقت والأمن معاً.
فكان أن تجاوب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مع فكرة اللقاء في قصر الصنوبر، على رغم سلسلة الملاحظات التي أبدتها بكركي وتلك التي تلقتها إستهجاناً من مراجع مسيحية وأخرى رسمية تخشى من حجم السوابق والأعراف الخارقة لكلّ الأصول والتي يكرّسها اللبنانيون قصداً أو بغير قصد.
وبناءً على ما تقدّم يخلص القطب السياسي عينه الى التأكيد أنّ ما سبق يكفي ليعزِّز نظريته السابقة للزيارة التي قالت إنها زيارة خارجة على المألوف بكلّ ما كرّسته في توقيتها وشكلها ومضمونها، ومَن كان ينتظر أكثر ممّا شهدته الزيارة ذنبه على جنبه… ونقطة عالسطر.