IMLebanon

من يدخل مسانداً يصبح سيداً

الإجماع اللبناني على التخلص من وجود داعش في سلسلة الجبال الشرقية الفاصلة عن سوريا، لا شك فيه ولا غبار عليه، لكن الإنقسام، بل الشرخ، قائم ويتوسع بين القوى السياسية، الرسمية وغير الرسمية، هو حول كيفية التخلّص من هذا الوجود…

فريق السلطة، من الرئيس ميشال عون، الى الرئيس نبيه بري، الى رئيس الحكومة سعد الحريري، الى وزير الخارجية جبران باسيل، ومعهم وزراء كتلهم جاهروا مباشرة أو بالواسطة، بأنهم مع ان يتولى الجيش اللبناني هذه المهمة، بعدما اقتنعوا بأنه قادر وجاهز، من دون شراكة مع أحد أو تنسيق مع أحد، تؤازرهم قوى سياسية وحزبية وحتى دينية، بدليل المناداة المتكررة بآحادية الجيش من جانب البطريرك بشارة الراعي والمفتي عبداللطيف دريان.

وبالمقابل، يضغط حزب الله وحلفاؤه في السياسة والإعلام، من خلف الجميع دمشق وطهران، على وجوب التنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله، لضمان التخلّص من داعش بأقل كلفة ممكنة، ويطلقون على هذه الثلاثية معادلة الجيشين والمقاومة بحيث حلّ الجيش السوري محل الشعب اللبناني في المعادلة الثلاثية السابقة.

هذه الإشكالية أخذت مداها بعد الدعوة العلنية التي أطلقها السيد حسن نصرالله في خطاب مساء الجمعة للتنسيق بين الجيشين والحزب. وكان ردّ من المصادر العسكرية مسبوقاً بما نقله الوزير نهاد المشنوق عن الرئيس عون، وخلاصته ان الجيش اللبناني ليس بحاجة الى التنسيق مع أحد وأن لديه القدرات الكافية لتحرير الجرود، وقد شرّع عملياً بتضييق الخناق، صاروخياً ومدفعياً، على مراكز داعش في جرود الفاكهة والقاع ورأس بعلبك.

الأسباب الموجبة المعلنة للإصرار على التنسيق ان اليد الواحدة، لا تصفّق، وللحصول على التصفيق المطلوب يتعيّن تشغيل اليدين، يد النظام والحزب من الداخل السوري، ويد الجيش اللبناني من الجانب اللبناني، بحيث يغدو الدواعش بين مطرقة الجيش اللبناني وسندان جيش النظام والحزب.

وواضح أن الحزب يريد تكريس الثلاثية المعروفة، المتنافية مع القرار ١٧٠١، ومع قناعات الكثير من القوى اللبنانية، لاعتبارات استراتيجية – إقليمية، تبلورت من خلال حملته على النصرة، التي انتهت بتسوية.

الأمر بالنسبة الى الأفرقاء المنادين بالإعتماد على الجيش اللبناني وحده، مسؤولين كانوا أو سياسيين داعمين لهذا التوجّه، مختلف تماماً…

أولاً: هناك طلب دعم ومساندة من طيران التحالف الدولي، الأمر الذي خشيَ معه السيد نصرالله من كارثة… هذا الى جانب عرض النظام السوري. ومن بديهيات الأمور أن ترفض الدولة اللبنانية طلبات الطرفين معاً، حتى لا تصبح الكارثة كوارث!.

ثانياً: لأن ثمة قاعدة تاريخية معروفة وهي أن من يدخل مسانداً لفريق ضد آخر يصبح سيداً على الفريقين، وصورة الحالة السورية واضحة.

ثالثاً: إن التذرّع بالتنسيق لتفادي الأخطاء خلال المعارك، خصوصاً من جانب الجيش السوري الذي سيكون في عراك مع داعش على الجانب الآخر من الحدود، يمكن تجاوزه من خلال المكاتب العسكرية المشتركة لدى قيادتي الجيشين.

رابعاً: ان قبول السلطات اللبنانية الرسمية بالدور المؤثر الراهن ل حزب الله في الحياة السياسية وعلى القرار اللبناني، في مناخ العقوبات الاقتصادية الأميركية المتسع على الحزب، قد يعرّض الاقتصاد الوطني للإنهيار، في ظل عدم وجود رؤيا اقتصادية واضحة حتى اليوم، وفق إشارة الرئيس ميشال عون في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، وأكثر من ذلك يمكن ان يقضي الى إدراج أسماء لبنانية رسمية الى اللائحة المصرفية الأميركية السوداء، وفق التسريبات المتداولة.

خامساً: الاتجاه الدولي نحو الإستجابة لتوسيع نطاق القرار ١٧٠١ الى الحدود الشرقية والشمالية ملموس، لكن التمادي في الإتكال على المرعاة الدولية لظروف لبنان، قد يسقط هذا التوجه من دائرة الإحتمال، بل ربما يزعزع اوضاع القوات الدولية القائمة على تنفيذ هذا القرار في الجنوب، نتيجة الخروقات المستدامة من الجانب اللبناني كما الإسرائيلي، في حين أن الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، لا يبدو مطمئناً، ومعه أطراف في الدولة، الى أن التمديد الدوري لقوات اليونيفيل سيجري وفقاً للحماسة السابقة آخر هذا الشهر..

إنما ما يبعث على الإرتياح اهتمام قيادة الجيش بوضع حدود فاصلة، وعلى مسافة واضحة بينها وبين القوى السياسية والحزبية الأخرى، مع الاحتفاظ بأساسيات دورها في تحديد ساعة الصفر واتخاذ القرار بالمواجهة المفتوحة، أو الضاغطة، وطبقا للظروف والمعطيات، فالعين الدولية عليه، وقلوب اللبنانيين معه، وهم بحاجة الى اعلان بعبدا مجددا، وليس الى اتفاقية قاهرة جديدة، تنقلهم من تحت الدلفة الى تحت المزراب، كالعادة…