IMLebanon

الجامع، الثكنة، والبازار: هل تغيّرت اللعبة؟

 

موقع ايران الجيوسياسي مهمّ جدا بالنسبة الى المنطقة والعالم، مهما يكن نوع النظام. وليس اندفاع أميركا نحو تدويل ما يحدث في ايران وتصدّي روسيا في مجلس الأمن للخطوة التي تراها ضارّة ومدمّرة سوى دليل على شدّة الاهتمام، سواء من موقف العداء أو من موقف التحالف. فالعالم، ولا سيما في الغرب الأميركي والأوروبي، يسلّط الأضواء على المشهد الداخلي الايراني. وروسيا مشغولة بحماية حليفها من التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية. وطهران تسلّط الأضواء على مؤامرة الأعداء، وتتولى قمع التظاهرات، وتكمل شغلها في حروب سوريا والعراق واليمن وانشغالها بما يحدث في المنطقة وخصوصا في لبنان والسعودية وبقية الدول الخليجية.

لكن الجميع يعطي الأولوية للتركيز على سياسات ايران الخارجية ومشروعها الاقليمي. فلا الرئيس دونالد ترامب ينام بلا عشاء لأن عشرات ملايين الايرانيين يعيشون تحت خطّ الفقر ويحتجون على فساد الملالي وضباط الحرس الثوري. ولا الديمقراطية هاجسه، وهو تخلّى حتى عن ادعاء الرؤساء السابقين الحرص على نشر الديمقراطية، وبدأ نوعا من الانقلاب على النظام الليبرالي العالمي الذي صنعته وقادته أميركا منذ سبعين عاما. لا الرئيس فلاديمير بوتين الذي يمارس سلطة بلا معارضة وراء شعار الديمقراطية المدارة يعترض على نظام ولاية الفقيه ويهمّه التغيير الديمقراطي في سوريا التي انخرط في حربها لحماية النظام وتحقيق أهداف كبيرة لبلاده. ولا أنظمة المنطقة، ومعظمها سلطوي فاسد وفاشل في تحسين أوضاع شعبه الاجتماعية والاقتصادية، مهجوسة بالحريات والرخاء الاقتصادي في ايران.

 

واذا كان الخبراء يتحدثون عن مشاكل بنيوية مستمرة في ايران، فان المتظاهرين الذين احتجوا على تقديم المال والسلاح لحلفاء في الاقليم بدل الداخل، اصطدموا بالدور الذي يفرضه الجيوبوليتيك: النفوذ في الخارج لتقوية الوضع الداخلي. أيام الشاه لعبت طهران دور شرطي الخليج. وفي أيام الجمهورية الاسلامية يفاخر المسؤولون بالنفوذ القوي في أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

ومن الثوابت في ايران منذ ثورة المشروطة عام ١٩٠٥ حتى الثورة الاسلامية مرورا بالامبراطورية إمساك ثلاثة مراكز بمصير البلد: الجامع، الثكنة، والبازار. وكلما تحالف مركزان، ضعف الثالث. الشاه عمل على تهميش الجامع بالاعتماد على تحالف الثكنة والبازار، طبعا الى جانب الدعم الأميركي والبريطاني. والإمام الخميني قاد الثورة وأسقط الثكنة بالتحالف بين الجامع والبازار. والواضح اليوم هو التكامل، لا مجرد التحالف، بين الجامع والثكنة وسط تأييد البازار. أما الجديد فانه ملامح مركز يشكّله الشباب والمجتمع المدني وسلاح اسمه الهواتف الذكية.

لكن اللعبة ممسوكة من النظام. ولا جدوى من محاولات التدويل.