IMLebanon

سنوات عجاف بالجملة !!

في عهود ما يسمّى بالمارونية السياسية، التي امتدّت من عهد الرئيس بشارة الخوري، حتى بداية عهد الرئيس سليمان فرنجية، كان الشعب اللبناني بأكثرية محترمة، يلتزم بالقانون والتشريعات، وكان القضاء بنسبة كبيرة، سلطة عدل وترهيب في آن معاً، وكان الجيش وقوى الأمن الداخلي، يتمتعان بالهيبة والحزم والجدّية، وكانت الليرة اللبنانية بين العملات الاقوى في العالم، ونادراً ما كانت الفاقة والجوع، يدقان باب اللبناني.

بداية التدهور في الدولة وعند اللبنانيين، بدأت في العام 1973، عندما تعسكرت مخيمات اللجوء الفلسطيني، تحت غطاء اتفاق القاهرة، وخرج الفلسطينيون من مخيماتهم، ليس بصفتهم لاجئين، بل كمقاتلين، لا تعنيهم القوانين اللبنانية بشيء، ولا يهمّهم وجود دولة وجيش وقوى أمن وقضاء، واشتبكوا مع الجيش في مناطق عدّة، لانه حاول ان يطبّق الاوامر والقانون ويمنعهم من التمدد المسلّح خارج المخيّمات، وكانت تدخّلات داخلية وعربية، لا مجال لتفاصيلها في هذه المقالة، لكنها أوصلت لبنان بعد سنتين الى الحرب الأهلية التي بدأت قبل سنة من نهاية عهد فرنجية، واستمرت على جولات طول عهدي الياس سركيس والشيخ امين الجميل.

في عهدي الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود اللذين استمرّا 18 سنة تشرّع الفساد، وتكرّست المحسوبيات، واستبيحت التشريعات والقوانين، وفقد العدل ما تبقى له من سلطة، واستسلمت السلطة المدنية الى حكم النظام الامني اللبناني – السوري، وعندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وانتفض الشعب على النظام الامني في 14 آذار 2005، ظن اللبنانيون ان عهد العودة الى النظام والقانون والحياة الطبيعية آتٍ لا محالة، لكن الضرر الذي اصاب بنية الدولة والمؤسسات ونفسية الناس، كان كبيراً جداً، ولم يكن بامكان عهد الرئيس ميشال سليمان، في ظل الظروف الصعبة التي كانت تعوق طموحاته، ان يعمل الكثير، سوى المحافظة قدر الامكان، على استقرار امني، والحؤول دون وقوع لبنان في الفتنة.

* * * *

حالياً يواجه لبنان وضعاً، يشبه في بعض جوانبه الوضع الذي كان سائداً في بداية السبعينات، ولكن بمنسوب اكبر من الاخطار، بسبب تعدد المشاكل التي ورثها لبنان بعضها من السبعينات، واضيف اليها مشاكل اخرى، اهمّها انتشار مخيف للسلاح غير الشرعي، تدفق النازحين السوريين على لبنان بسبب الحرب الدائرة في بلادهم، تعاظم الحركات التكفيرية الارهابية المسلّحة، اكتظاظ المخيمات الفلسطينية وخصوصاً مخيم عين الحلوة، بالسلاح والمسلّحين والخارجين على القانون اللبناني، الصراع السني – الشيعي، الخلاف بين اللبنانيين على سلاح حزب الله.

في مقابل هذه الملفات الخطيرة المعقّدة التي تحتاج الى دولة لمعالجتها والتصدّي لها، نرى لبنان من دون رئيس جمهورية منذ اكثر من ثمانية اشهر، ومجلساً نيابياً فاشلاً بامتياز، وحكومة من اصحاب الحاجات الخاصة، حتى لا اقول معوقة، واقتصاداً مكرسحاً، وفساداً يأكل الاخضر واليابس، وخلافاًَ على النفايات، ومؤسسات «مفوفشة» وخططاً أمنية كالسيارة القديمة التي هي بحاجة دائمة الى «دفش» سياسي، أو الى أمن بالتراضي كما يحصل حالياً في البقاع الشمالي وفي مخيم عين الحلوة، وكما حصل سابقاً في طرابلس، وسجن روميه.

جميع هذه الصور والقضايا استعادتها ذاكرتي وانا استمع الى الوزير وائل ابو فاعور والنائب عاطف مجدلاني، يبشّران اللبنانيين «بفرح عظيم» ان مشروع قانون سلامة الغذاء قد «زمط» من اللجان النيابية المشتركة، وبطريقه الى الاقرار في مجلس النواب «المغلق»، ويؤكد النائب مجدلاني انه سيكون حريصاً على تنفيذه، بمثل «حرصه» و«حرص» الحكومة، والقوى الامنية على تنفيذ قانون منع التدخين، والأكيد ان حرصه هذا يأتي بعد مشاهدته سيجارة الوزير نهاد مشنوق تنشر «غطيطة» في مبنى ادارة عامة يمنع فيها التدخين؟؟!! لا اعرف مَن قال ان القوانين وجدت ليخالفها الناس.