من السذاجة الاعتقاد بأنّ ما يحصل في عين الحلوة مبالَغ به ومضخَّم. فالمخيّم المثير للقلق والخوف لا يعيش حياةً طبيعية، ولم يكن يوماً كذلك. لكنّ الفارق أنّ هذه المرّة مع أبعاد أكثر خطورة.
كلّ المعلومات الواردة من داخل المخيّم تؤكّد أنّ عاصمة الشتات تنزلق تدريجياً إلى أحضان «داعش». فما يُسمّى «الشباب المسلم» مسيطر حاليّاً على أحياء عديدة أصبحت بغالبيتها تميل إلى هذا التنظيم الإرهابي عقلاً وقلباً وولاءً، خصوصاً أحياء الطيرة – الصفصاف – المنشية – قسم من حطين ومخيّم الطوارئ.
كلّها أحياء تشكّل أكثر من نصف المخيّم باتت تخضع لسلطة «داعش» و«النصرة»، وقد أصبحَت خريطة توزيعهما مع أمرائها على الشكل الآتي:
أسامة الشهابي يترَأس مجموعة من ثلاثين شخصاً ويتبع لـ«جبهة النصرة».
بلال بدر: خمسون عنصراً – «نصرة».
هيثم الشعبي: أربعون عنصراً – «نصرة».
محمد الشعبي: «داعش».
جمال الرميّض الملقّب بـ»الشيشاني»: أمير «داعش» في المخيّم.
هلال هلال، بمثابة شرعي «داعش»، ويترَأس المجموعة العسكرية.
توفيق طه (حطين) ورائد جوهر (حطين)، وهما مجموعتان صغيرتان تتبعان لتنظيم «داعش».
في الفترة الأخيرة، غادر نحو 18 ألف فلسطيني كانوا قد أتوا إلى عين الحلوة من مخيّمي اليرموك والسبانة، ليصبح عدد قاطنيه 100 ألف مع النازحين السوريين.
يقول مصدر أمني فلسطيني على اطّلاع بكلّ شاردة وواردة داخل المخيّم، إنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعلم بما يحصل وخصوصاً في الفترة الأخيرة. ويُلمّح المصدر إلى أنّ التقارب السياسي بين عباس والسعوديين والقطريين جعله يغضّ النظر عن الكثير من الممارسات داخل مخيّمات لبنان.
ويحذّر من أنّ هذا التراخي سيَدفع بتنظيم «داعش» إلى التمدّد في اتّجاه أجزاء أخرى من المخيّم ضمن مخطط السيطرة الكاملة عليه وربطه ببقيّة مخيمات لبنان وإنشاء غرفة قيادة عمليات مركزية لإدارة التوتّرات متى أعطيَت الساعة الصفر، خصوصاً أنّ الأمن الوطني معنوياً منهار، ولا يتمكّن مِن الحصول على قرارات جدّية مِن القيادة السياسية المتردّدة، وبالتالي فهو عاجز عن أخذِ أيّ إجراء.
ويقول المصدر إنّ المجموعات التي تتبع لـ«داعش» و«النصرة» ليست كبيرة، وعديدُها محدود، لكنّ الخطورة تكمن في ضعف فصائل منظمة التحرير التي تضمّ 600 مقاتل، إلى جانب قوى التحالف التي تضمّ «فصائل سوريا – حماس الجهاد الإسلامي – جبهة التحرير وجبهة النضال – القيادة العامة – الصاعقة، وهذه القوى تقودها حاليّاً «حماس».
أمّا القوى الإسلامية فتضمّ الحركة المجاهدة «جمال الخطاب» وعصبة الأنصار «ابو طارق السعدي»، وتعدّ نحو 300 عسكري، وتجهد هذه القوى في المرحلة الراهنة لتخفيف التوتّرات قدر المستطاع وبناء جسر تواصل بين الفصائل والجماعات المتطرّفة، لكنّ مهمتها تصعب شيئاً فشيئاً مع اتّهام «الشباب المسلم» لها بأنّها باتت عميلة الأجهزة الأمنية… علماً أنّها استطاعت منذ يومين إتمام مصالحة بين عائلتَي الناطور (بلال بدر) والقبلاوي (فتح) اللذين تبادَلا القتلَ منذ شهر، مفتتحين عودةَ التوترات الأمنية في المخيّم.
أمّا العقيد محمد محمود عيس الملقّب بـ»اللينو»، فيشكّل حالة خاصة ومستقلّة داخل المخيّم. فهو يتبع لحركة «فتح» لكنّه بمثابة المنشقّ عنها والمتمرّد على قراراتها وسياستها، ويعتبر أنّها تخلّت عن مبادئ الحركة.
ويقود «اللينو» حاليّاً حركة تسمّى «تيار الإصلاح الديموقراطي» ويتبع لمحمد دحلان المقيم حاليّاً في مصر، وهو على خلاف عميق مع السلطة الفلسطينية، وعديد تيار «اللينو» نحو 350 مسلّحاً مدرّبين ومجهّزين للقتال والحماية، ويُعتبر رقماً صعباً في معادلة مخيّم عين الحلوة، حيث استطاع ملءَ الفراغ الذي تركته منظّمة «فتح» ويضبط جيّداً المناطق التي تخضع لنفوذه (الصفوري-حي الزيت – السكة – لوبيا وجبل الحليب).
واللافت أنّ التعاون بين «داعش» و«النصرة» داخل المخيّم وثيق، فلا خلافات ولا صراعات على الأمرة، والمرّة الوحيدة التي خرج فيها هذا الانسجام عن هذا الإطار عندما هاجَمت «داعش»، «النصرة»، في جرود القلمون، لكنّ الأمر لم يتعدَّ حرب البيانات فقط.
لا شيء فردياً ولا أحداث يتيمة، يقول المصدر، والمطلوب إضعاف حركة «فتح» حتى يكون هناك بديل، وهو القوى المتطرّفة، سائلاً: «هل هناك تواطؤ من داخل حركة «فتح» على صلة مباشرة مع غزّة، مقرّ السلطة السياسية لتنفيذ هذا الهدف؟
فمسَلسل التوتر والاستهدافات لا يمكن إدراجه إلّا ضمن هذا المخطط، خصوصاً مع التركيز على اغتيال ضبّاط وعناصر حركة «فتح» لضرب النسيج الداخلي، الأمر الذي تركَ مخاوف لدى أغلب قيادات «فتح» خارج المخيّم، فهم لا يدخلون إليه بحجّة الدواعي الأمنية.
ويتابع المصدر: «لصالح مَن مخطّط تسليم مخيّم عين الحلوة إلى تنظيم «داعش»؟ وما هو المطلوب؟ فالتجهيزات التي وصلت إلى عناصر الأمن الوطني والمستلزمات من عتاد وأسلحة وتدريبات لا تعدو الشكليات، فيما المطلوب قرار حتى الساعة مفقود، وهناك حالة تملمُل داخل هذه العناصر من عدم إعطائها الضوءَ الأخضر لأخذ قرارات إجرائية والضرب بيد من حديد.
ويسري حديث تهمس به بعض هذه العناصر يشكّك في الأسباب التي تحول دون أخذ قرار بمواجهة التنظيم و«النصرة»، فهؤلاء لا يملكون سلاحاً فتّاكاً ونوعياً، وكلّ ما بحوزتهم: «سلاح فردي – متوسط (M16 قواذف B7 – صواريخ law Mag- PKC- قنابل يدوية…) إلى جانب السلاح الأكثر فتكاً وهو العقيدة التكفيرية.
إذاً، ما هو المطلوب؟ وهل ما يحصل هو بداية المخطط؟ ومتى تخرج الأمور عن السيطرة؟ أو بالأحرى متى يُعطى أمر العمليات للتحرّك؟ وهل صحيح أنّ ثمنَ مخيّمات لبنان قُبض؟ وماذا فعلَ عزّام الأحمد (مسؤول ملف مخيّمات لبنان) في جولته منذ أيام على المسؤولين السياسيين والأمنيين؟
هل اكتفى بتكرار مواقفه المعهودة ووعوده التي لا تجد طريقاً لها إلى التنفيذ سوى بضعة ترقيعات محدودة؟ هل سيستطيع تسليمَ المطلوبين الخطيرين الذين يَشغلون مناصبَ أمراء الحركات التكفيرية ويصادرون أمنَ المخيّم والجوار؟ أسئلة برَسم السلطات الفلسطينية واللبنانية قبل أن ينفجر مخيّم عين الحلوة في وجه الجميع.