IMLebanon

لماذا تراجع أبو مالك التلّي عن اتفاق إطلاق العسكريين في 30 نيسان؟

ارخى المناخ الامني المشدود حدوديا بظلاله على ملفات الداخل السياسية المأزومة والبالغة التعقيد في ضوء ارتباط معظمها بتداعيات التطورات الاقليمية. وبدا الترقب لمنحى صفقة تبادل العسكريين الاسرى لدى «النصرة» سيد الموقف وسط لغط كبير يسود في الاوساط المتابعة حول ما قد تؤول اليه الامور، في ظل التعقيدات الأمنية والعسكرية المرافقة للمعارك الجارية في جرود القلمون السورية حيث يحقق «حزب الله» والجيش السوري تقدماً على المجموعات المسلّحة، برزت اشارات ايجابية تتصل بملف العسكريين اللبنانيين الاسرى لدى «جبهة النصرة»، بعدما ارتسمت علامات استفهام عدة حول مصير الاسرى الذين يفترض ان يكونوا محتجزين إما في جرود القلمون او جرود عرسال اللبنانية، بعدما نجحت التغييرات في هوية الوساطات والجهات المفاوضة طوال الفترة الماضية في تغيير قواعد المعادلة المتشابكة الخيوط، وتمكن اللواء ابراهيم من فصل الملف عن الاحداث الميدانية.

تؤكد مصادر في خلية الازمة ان نتائج الاتصالات مع «جبهة النصرة» ايجابية مع اقتراب القضية من خواتيمها، مؤكدة ان الاتفاق ينطلق من مبدأ الافراج عن موقوفين اسلاميين، ليس بينهم اي محكوم قضائيا شرط ترحيلهم من لبنان، رافضة تحديد موعد زمني لاتمام الصفقة، نافية صحة ما يقال عن تسليم حزب الله اي اسير من «جبهة النصرة»، قياديا كان ام عنصرا عاديا لمبادلته، كاشفة عن رصد على مدار الساعة لمكان اسر العسكريين في منطقة وادي الخيل، مشيرة الى ان التاخير الاخير يعود الى عدة اسباب: الاول مرتبط بامير جبهة النصرة في القلمون المشغول بادارة المعركة مع حزب الله وصعوبة الاتصال به، والثاني بامور لوجستية تتعلق بالوفد القطري الذي طالب بضمانات تتعلق بسلامة افراده اثناء انتقاله الى الجرود والعودة منها وتواجده فيها، رغم مخاطرته اكثر من مرة خلال الفترة السابقة وآخرها زيارة احد افراده للجرود خلال المعارك وتمكنه من الاجتماع بابو مالك التلي، قبل ان ينتقل الى انقرة لاجراء اتصالات بقيادة الجبهة في سوريا لوضع صيغة لوجستية لترجمة الاتفاق عمليا، اما الثالث فهو عالق عند نقطة المخرج الذي سيتم على اساسه اطلاق عدد من الموقوفين الذين تطالب بهم «النصرة» التي ما زالت تقدم المزيد من العروض حتى الساعة، اما الرابع فهو الخلاف حول آلية التبادل بين ان تكون على دفعات بحسب «النصرة»، في مقابل اصرار الجانب اللبناني على ان يكون التبادل دفعة واحدة.

من جهتها اوردت اوساط متابعة للملف تفاصيل التقدم الاخير الذي افضى الى الايجابية المستجدة، متحدثة عن ان موعدا سابقا في الثلاثين من نيسان، كان قد ضرب لاتمام صفقة التبادل مع «النصرة»، قبل ان تتراجع الجبهة في اللحظات الاخيرة رافعة سقف مطالبها، ما حدا بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى زيارة تركيا بعيداً عن الاعلام، حيث التقى رئيسي المخابرات التركية والقطرية طالباً منهما التدخل العاجل لإعادة احياء عملية التبادل وتفعيلها، وهو ما حصل فعلا مع ايعاز الدوحة لموفدها بالتوجه الى القلمون بشكل سريع، وهذا ما حصل يوم التاسع من ايار. فبعد وصوله عبر مطار بيروت الدولي على متن طائرة قطرية خاصة، التقى الموفد القطري أحمد الخطيب ابو مالك التلي على مدى 4 ساعات في جرود عرسال، على وقع معارك القلمون، حيث تسلّم الخطيب لائحة مطالب قديمة جديدة تضمنت: عدم مشاركة الجيش اللبناني في اي عملية عسكرية يقوم بها حزب الله في جرود عرسال، تعهد لبناني بعدم السماح للحزب باستخدام الأراضي اللبنانية لشن أي عملية عسكرية في الجرود، ابقاء طريق امداد الجبهة بالطعام والوقود قائماً بعد اتمام العملية، ان تتم عملية التبادل على دفعتين، الاولى يطلق فيها ثمانية عسكريين في مقابل كبار الموقوفين المتورطين في قضايا ارهابية مثال نعيم عباس واحمد ميقاتي وخالد حبلص وسجى الدليمي وعلا العقيلي، على ان تدخل المرحلة الثانية حيز التنفيذ فور تأكد «جبهة النصرة» من التزام الجانب اللبناني كامل الشروط. ليطلق عندها من تبقى من العسكريين في مقابل موقوفين لبنانيين و48 آخرين في السجون السورية من جنسيات سورية، سعودية، يمنية ومصرية وعراقية، بينهم 9 نساء، فضلا عن دفع مبلغ مالي يصل الى 70 مليون دولار. عرض جوبه بانقسام لبناني بين رافض لاطلاق بعض الاسماء، مقابل رأي آخر لا يمانع اطلاقهم شرط ابعادهم عن الحدود اللبنانية ونقلهم الى الشمال السوري بضمانات تركية، رغم اقرار اصحاب الرأيين على الاستعداد للتعاون، وهو ما حمله الوسيط بعد اربع وعشرين ساعة الى التلي، لتستقر المفاوضات على خفض عدد السجناء الذين تطالب بهم الجبهة ، من ثمانين اسما الى خمسين حاليا خضعت كلها للتدقيق والدراسة والتقويم.

لكن ماذا عن مصير الاتصالات مع «داعش»؟تشير المصادر في هذا الصدد ان الاتصالات مع قادة التنظيم ليست جامدة كما كانت سابقا، وان لم تحرز تقدما ملموسا حتى الساعة، رغم الجهود الحثيثة من اجل تنشيطها عبر قنوات عديدة للوصول الى خاتمة سعيدة، وسط ترجيح سحب التنظيم للاسرى معه باتجاه وادي ميرا او الداخل السوري، تحت ضغط العمليات الاخيرة لجيش الفتح والتي ادت الى مقتل القيادي في «داعش»، الأمير الأسبق لولاية قاطع القلمون والمسؤول عن اسر العسكريين، أبو طلال الحمد الشامي، الذي أمر بإعدام العسكري علي السيد وبذبح العسكري عباس مدلج وقد رفض كل الوساطات لإعادة جثمان الشهيد مدلج لأنه من الطائفة الشيعية، بعد ان عاد إلى القلمون بداية المعارك للمشاركًة في الهجوم على «جيش الفتح»، اثناء تواجده برفقة أبو الوليد المقدسي، في عملية حاول جيش الاسلام خلالها من «تحرير» عدد من الاسرى اللبنانيين المتواجدين في احد مواقع «داعش»، بحسب مصادر اسلامية.

ما الذي قد يستجد ويعيد المفاوضات الى نقطة الصفر؟ وهل تصدق نبوءة اللواء ابراهيم؟ ام هي مناورة جديدة لابعاد الملف عن المساومات الاعلامية لتمرير الامتار الاخيرة من رحلة الاميال الطويلة من عرسال الى جرود القلمون، مرورا بالدوحة وصولا الى انقرة؟ ام تصح الرسائل التي طالما حاولت «النصرة» تمريرها عن «خدعة» الدولة اللبنانية وعمد وجود مفاوضات من الاساس؟ الاسئلة كثيرة والاجابات متشعبة حتى تكاد تكون متعارضة ومتضاربة مع اصرار كل طرف على الجزم بصحة معلوماته، في ظل تضارب المواقف والغموض الذي يحيط بالتطورات الميدانية، في ملف يتحرك منذ يومه الاول على ايقاع بورصة الاحداث الاقليمية نظرا لتفرعه منها وكنتيجة مباشرة لها، في ملف يكمن شيطانه في تفاصيل التفاصيل.

وحدها الايام والاسابيع القادمة قد تحمل معها الاجابات الواضحة كيف لا يتحول مخيم رياض الصلح الى خيمة الاسكوا التي ما تزال في موقعها منذ اربع سنوات دون ان يحرك احدا ساكنا حاملا خبرا يشفي غليل قلوب محروقة حيث يكتفي الجميع بمجرد تضامن ومواساة شكلية فيما المأساة تراكم فوقها مأساة يوما بعد يوم في رحلة البحث عن احباء اخفوا قسرا.