IMLebanon

لماذا نتبنى السادية؟

قرار المطامر الثلاثة والاعانات المفترض ان تشجع مناطق هذه المطامر على تقبلها ولو الى حين يبرهن على ان سياسيينا يعتصمون بالسادية. نعم السادية المتمثلة بإلقاء الهم على نفوس اللبنانيين، وهم يعانون روائح النفايات وتراكمها على طرق وجسور بيوتهم وجسورها، كما يشاهدون انتشارها المفجع على شاشات التلفزيون، اللبناني، والاميركي والفرنسي وفي نشرات الـBBC والـ CNN التي يمكن التقاطها على الشاشات الذكية التي توسع انتشارها لسبب رئيسي الا وهو الملل من اخبار التلفزيونات المحلية والحوارات السياسية التي باتت مريضة في المضمون والشكل.

ثمانية اشهر تنقضي ولبنان في غرفة العناية الفائقة، علماً بان الوزراء ورؤساء الكتل يتصدرون الصالونات وكراسي المقابلات التلفزيونية، ولا يأتون بجديد في أي حال ووقت.

الحراك المدني على مختلف أوجهه صار محجماً علماً بان تطلعاته صحية وآنية وملحة، لكن سحر التلفزيون يستقطب التصريحات النارية دون أي تدقيق، ولنأخذ الهجوم الكاسح على استمرار شركة “سوكلين” وتفرعاتها في تجميع النفايات استعدادًا لفرزها. فالمعلقون البارعون يتساءلون، كيف يجوز لشركة محالة على القضاء المالي، الاستمرار في عمل التنظيفات؟

شباب الحراك المدني وشاباته، عليهم ان يدركوا انه اذا أحيل اي مخالف على المحاكمة لا يمكن الجزم بالحكم سلفاً على الاهمال، او الغش. انتظار قرارات المحاكمة هو في صلب ما يسمى النظام العام والانتظام العام، والاحكام المسبقة في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون لا قيمة لها بل هي في الواقع تنتقص من قيمة التعليق والرسائل المرجوة. وربما على الناشطين في الحراك المدني ان يتساءلوا من اين نأتي بـ1500 عامل لانجاز أعمال التنظيف؟

سؤالان محرجان لهذه الحكومة التي باشرت أعمالها ورافقهتا حماسة شعبية ارتبطت الى حد بعيد بنزاهة رئيسها ومكانته العائلية في تاريخ لبنان الحديث. وبعد ثمانية اشهر من اللاقرار ومن ثم اعتماد قرار كان الأجدر اتخاذه قبل ثمانية اشهر، لا بد من التساؤل هل بين الوزراء من هو مهتم فعلاً بالشأن العام، ولماذا لم نسمع صوتًا واحدًا مدويًا بان معايشة النفايات في الشوارع طوال ثمانية أشهر هي حقاً جريمة مستمرة منذ 240 يوماً في حق اللبنانيين.

بالتأكيد لن يكون هنالك جواب عن التساؤل المطروح، فالحكومة على ما يبدو ترى انها حققت انتصاراً ينبغي ان يهلل له اللبنانيون، وهذا الاعتقاد كم هو خاطئ وكم هو بعيد من هموم اللبنانيين.

الامر الثاني الاكثر اهمية هو توجه الحكومة، استناداً الى دراسات لمجلس الانماء والاعمار، الى التفكير في انجاز عقود لأربع محارق يمكن وضعها موضع التنفيذ خلال أربع سنوات، تحول النفايات المنزلية، وبصورة خاصة المأكولات والبلاستيك الى منتجات يمكن استخدامها في توليد الكهرباء بدل المازوت، او حتى الغاز اذا اكتشفناه وطورناه بعد ثماني سنوات، كما انتاج حبيبات البلاستيك لتصنيع قناني المياه، وانتاج اسمدة يمكن استخدامها في لبنان أو حتى تصديرها.

ان ما يدعو الى القلق ان التكاليف المرتقبة – وبعد انتظار أربع سنوات وانفاق مئات ملايين الدولارات على التجهيز- سوف تضيف الى الدين العام وعجز الموازنة نسباً كبيرة، والحقيقة الساطعة ان انتاجية الاقتصاد اللبناني اصبحت متردية (ما بين 1 و1.5 في المئة سنويًا) والدين العام تجاوز الـ72 مليار دولار، فلا يجوز ان نبدد الاموال على محارق مفترض انجازها، كما علينا ان نوقف هدر الكهرباء سواء في معامل انتاج كهرباء لبنان، أو المولدات الخاصة التي باتت طاقتها تزيد على الطاقة العاملة والمنتجة لدى مؤسسة كهرباء لبنان، اذا استثنينا انتاج الباخرتين التركيتين التين تعملان في مقابل مبالغ مرتفعة، سواء للتشغيل أو العمولات والسنة المقبلة يفترض تجديد عقود الباخرتين.

الامر الاهم والاكثر الحاحًا هو تشغيل معمل الكرنتينا الذي تبلغ طاقته 1200 طن يوميًا، يمكن مضاعفتها بتشغيل المعمل على دورتين يوميًا، واستناداً الى الشركة التي انجزت المعمل يمكن انهاء أعمال الترميم وبدء التشغيل خلال ثلاثة اشهر فيمكن حينئذٍ ربما الاستغناء عن اعادة فتح مطمر الناعمة.

واضافة الى معمل الكرنتينا الذي يمكن ترميمه وتشغيله بسرعة، هناك المعمل القائم في صيدا والذي يعمل بانتظام وفاعلية لان تمويله توافر من مستثمرين فرديين سعوديين ولبنانيين، وهذا المعمل الذي يفترض ان يشغل بكامل طاقته البالغة 500 طن يوميًا، ينتج الكهرباء والاسمدة وحبيبات البلاستيك ومواد البناء ومنها منتجات خشبية. والمعمل ناجح تقنيًا واقتصاديًا ويمكن اعتماد منهجية عمله التي لا ينتج منها تلوث مناخي، أو حتى تلوث على صعيد الضجيج.

الزمن المطلوب لانشاء معامل كهذا لا يتجاوز الـ18 شهرًا، وتكاليف انشاء معملين بطاقة 700 طن لكل منهما، أو 1400 لكليهما، لا تتجاوز الـ150 مليون دولار، فلماذا علينا ان ننظر في معامل حرارية تبلغ تكاليفها اضعاف اضعاف الرقم المشار اليه، ومدة انجازها أربع سنوات بدل سنة ونصف سنة؟ ويمكن بالتأكيد الحصول على تمويل من القطاع الخاص كما هو الوضع في معمل صيدا.

ان خيار انجاز معملين مماثلين لمعمل صيدا وبطاقة أكبر واعادة ترميم معمل الكرنتينا وتطويره وتشغيله، هو المنهج الافضل اقتصادياً وصحياً واخلاقياً، فعسى أن يكون ثمة من يقرأ ويسمع.