يبدو القلق العوني بعد التمديد للمجلس النيابي واضحاً، بصرف النظر عن طريقة التعبير عنه.
القلق يتّصل بشمّ رائحة طبخة رئاسية تنتظر تبلور مناخ دولي وعربي، والخشية العونية تتركّز على منع سيناريو اتفاق الدوحة الذي حرَم العماد ميشال عون نشوة الاحتفال بـ 7 أيار وتغطيته، على أمل أن يكون انتصاراً يفتح الطريق الى قصر بعبدا، فأتى السيناريو المعاكس، الذي تمثّل بانتخاب ميشال سليمان، ليهدر كل الآمال، وبَدا حينها أنّ حسابات الرئاسة أكبر من مجرد وعد قطعه حلفاء الجنرال، بالتمسّك به مرشحاً رئاسياً.
واذا كان لا يجوز منطقياً تشبيه السابع من أيار 2008، بأحداث عرسال وطرابلس، فإنّ أوجه تقاطع بين المحطتين، تجعل من القلق العوني رعباً، من خسارة الفرصة الأخيرة للوصول الى بعبدا. في السابع من أيار لم يتحرّك الجيش لحماية بيروت والجبل، وفي المحطة الثانية رضيَ الجيش بتسوية كانت بمعظمها على درجة كبيرة من الايجابية، باستثناء خطف العسكريين. وفي طرابلس خرج الجيش بإنجاز كبير تضافرت ظروف داخلية وخارجية لتحقيقه.
واذا كان سليمان قد وصل بفِعل اتفاق الدوحة الى قصر بعبدا، فإنّ احداث طرابلس وعرسال رفعت أسهم العماد جان قهوجي، بحيث أصبح يشكّل خطراً على الكماشة التي ينفذها عون بقوة «حزب الله»، والتي تقطع على أيّ مرشح آخر الطريق الى بعبدا.
الرعب العوني من نجاح المؤسسة العسكرية في ضبط أحداث طرابلس، انعكس في اليومين الماضيين تشكيكاً في العماد قهوجي وصل الى التعرض للانجاز الذي تحقّق، في حين كانت كل التقارير الدولية تتحدث بإعجاب عن دور الجيش وتماسكه، وعن المعركة النظيفة التي منعت «جبهة النصرة» من إقامة نواة امارة اسلامية متشددة تحدثت التقارير، بما فيها التحقيقات مع الموقوفين، عن أنها كانت ستنطلق من السيطرة على أربع قرى كبيرة، في الضنية، حتى الجرود، لوصل الشمال بالبقاع الشمالي، فالحدود السورية.
واذا كان ردّ فِعل عون على نجاح الجيش مدعوماً بالقيادات السنية في إجهاض مخطّط تحويل الطائفة السنية بيئة حاضنة لـ«النصرة» وغيرها من
الفصائل، مفهوماً باعتبار أنّ ذلك يعبّد الطريق للعماد قهوجي، على غرار ما حصل مع الرؤساء فؤاد شهاب، اميل لحود، وسليمان، وما لم يحصل معه في العام 1988، فإنّ إطلاق النار سياسياً على المؤسسة العسكرية، يضع عون في موقع ضعيف، باعتباره يقدّم نفسه دائماً، عرّاب هذه المؤسسة، وقد تجلى ذلك دائماً في حملة المزايدات التي كانت تُطلق، في كل محطة، لتصوير أنّ الجيش يناصر طائفة ضد أخرى، ويتعامل بمكيالين مع الاحداث الامنية.
اللافت انه وبموازاة استهداف قائد الجيش، يندفع عون في حملة حبّ مبالغ بها تجاه «حزب الله»، وذلك استشعاراً بضرورة تكبيل يدي الحزب مسبقاً، تفادياً لتكرار سيناريو 2008، لعلمه أنّ حبّاً من هذا النوع سوف يتحول حبّاً من طرف واحد، اذا ما قرّرت إيران الإفراج عن الملف الرئاسي، والاتجاه الى تسوية.
عندها لن يكون على الامين العام لـ«حزب الله» السيّد نصرالله أكثر من طلب لقاء عون، ومصارحته أنّ الأمور خرجت من يد الحزب وأنه لا مناص من الدخول في التسوية، والتعويض عن الخسائر الرئاسية، بمكاسب لن ترقى بالتأكيد الى طموح الجنرال، الذي يرفض أن يكون ناخباً للرئيس وصانعاً له، ويصرّ على أن يختم حياته السياسية بلقب طالما حلم به، ودفع الغالي والرخيص لتحقيقه.