IMLebanon

لماذا يصمت العرب عن التدخُّل الروسي؟ الخيبة من أميركا وتقليص السطوة الإيرانية

لم يصدر اي رد فعل عن اي من الدول العربية ولا سيما منها المجاورة لسوريا على تعزيز روسيا وجودها في مناطق الساحل السوري وزيادة الدعم لقوات النظام. فهل يمكن ان تكون هذه الدول على بينة من الخطة الروسية في هذا الاطار خصوصاً ان موسكو شهدت زيارات عدة لمسؤولين عرب بارزين في الأسابيع الاخيرة عقب التوقيع على الاتفاق مع طهران على ملفها النووي وبحثت مع كل منهم في سبل تفعيل الحل لأزمة سوريا من دون ان تنجح في تليين مواقفهم من الرئيس السوري ومصيره؟

قد يقال ان الدول العربية نادراً ما عبّرت علناً وبصراحة عن مواقفها من مسائل حساسة ومهمة على غرار استيائها الكبير من المفاوضات السرية التي اجرتها الولايات المتحدة مع ايران حول ملفها النووي من دون اطلاع حلفائها ، وحصرت هذه المواقف عبر القنوات الديبلوماسية. وينسحب الأمر نفسه على الموقف من الخطوة التي أقدمت عليها روسيا بتعزيز وجودها العسكري في مدن الساحل السوري التي يسيطر عليها النظام جنباً الى جنب مع اعلان روسيا ان التنسيق مع بشار الاسد وحده يساعد على تدمير تنظيم الدولة الاسلامية. الا ان ما تم توافره من معلومات من سياسيين التقوا قادة عرب خلال الفترة الأخيرة يفيد بان الدول العربية المؤثرة قد لا تكون منزعجة من تعزيز روسيا تدخلها في سوريا، وهي لا تبدي حرصاً على مماشاة المواقف الاميركية المعلنة التي حذرت روسيا من تدخلها او رفعت الصوت من تداعيات هذه المسألة. لا بل ان هذه الدول لم تخف ارتياحاً مضمراً الى تعزيز روسيا حضورها انطلاقاً من ان واشنطن وخلال ما يزيد عن اربع سنوات من المناشدات العربية من اجل التدخل لوقف النزف السوري، خيبت آمال جميع حلفائها في هذا الاطار وهي لا تنوي وفق لما بات يعرف بعقيدة الرئيس الاميركي باراك اوباما في ما تبقى من ولايته التدخل من اجل المساعدة في انهاء الحرب السورية. وبقطع النظر عما اذا كان تعزيز الوجود الروسي العسكري سيساهم في ذلك اي ايجاد حل للازمة في سوريا او لا في هذه المرحلة على رغم ترجيح الاحتمال الثاني، فان واشنطن لا يمكنها التخلي عن المنطقة وخصوصا عن سوريا بعد ليبيا والتذمر في الوقت نفسه من ان يشغل آخرون الفراغ الذي كان ينبغي ان تشغله كقوة عالمية لها مصالحها الحيوية في المنطقة.

منطق ايران خلال العامين الماضيين تمحور حول هذا المنطق انطلاقاً من ان انسحاب اميركا من المنطقة دفع بايران الى محاولة احتلال ساحات وشغل حيز من هذا الفراغ. هكذا فعلت في العراق حين انسحبت قواتها تاركة لإيران الحرية بان تضع يدها على العراق ما تسبب بما حصل لجهة انطلاق تنظيم الدولة الاسلامية وسيطرته على مدن عراقية. وليس خافياً من ان كل التطمينات التي قدمتها واشنطن عن عدم ترك ايران متفلتة في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي لا تشكل ضمانات للدول العربية التي تخشى خصوصاً بعد اقرار الكونغرس الاميركي الاتفاق النووي مع ايران وفي فترة انطلاق الانتخابات الرئاسية الاميركية تراخياً اكبر في ما خص نقاط الازمات في المنطقة . الا انه سيكون مثيراً معرفة رد الفعل الذي يمكن ان تبديه الادارة الاميركية والخطوات التي يمكن ان تتخذها ازاء الخطوات الروسية الاخيرة خصوصاً ان الرئيس اوباما سيكون معرضاً لانتقادات شديدة لتركه منطقة الشرق الاوسط لدول كبيرة اخرى ولروسيا بعد ايران من اجل ان تملأ الفراغ الذي تركه الانسحاب الاميركي منها نتيجة السياسة التي انتهجها ما سيترك تداعيات بالغة على المصالح الاميركية التاريخية في المنطقة. كما سيكون مثيراً معرفة كيف ستوظف روسيا قدراتها في سوريا وفي اي اتجاه ضد المعارضة تحت عنوان مواجهة الارهاب او ضد مواقع تنظيم داعش وهل سينقذ ذلك الاسد او نظامه؟

في الزيارات التي قام بها المسؤول الامني لدى النظام السوري علي المملوك لكل من جدة في تموز الماضي كما لمصر قبل اسابيع قليلة، سمع كلاماً واضحاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مماثلاً للكلام الذي سمعه من ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي يفيد بانه من غير الممكن وقف دعم المعارضة في سوريا من دول المنطقة ما لم يتخذ الرئيس السوري اجراءات تحسم وجود ايران و”حزب الله” في الاراضي السورية، اذ ان استمرارهما الى جانبه يعني استمرار المعارضة التي يدرك الاسد عدم قدرته على إزالتها بتجاهل وجودها او وسمها بالطابع الارهابي، وطلبه من الدول العربية وقف دعمها انما يعود لمعرفته بان الحرب ستكون طويلة وستستنزفه كلياً مع عجزه عن الطلب الى ايران والحزب الانسحاب من سوريا. ولذلك فان تعزيز روسيا وجودها يأخذ من طريق ايران في الدرجة الاولى بحيث يدخل عناصر جديدة على المعادلة المتحكمة بوضع الرئيس السوري ونظامه كما من طريق الولايات المتحدة في الدرجة الثانية وبدرجات اقل من سائر الدول الاقليمية المعنية بحسب المعنيين انفسهم، هذا اذا تم التسليم جدلاً بان افق الحلول ممكنة في المدى المنظور، وهذا ليس اكيداً. اذ يجزم السياسيون المعنيون انه على رغم انه يتم العمل على انعقاد جنيف من اجل ايجاد حل للأزمة السورية، فان هذا متوقع على المدى الطويل وليس قريبا على الاطلاق.