الزيارة الرئاسية الأولى للعماد ميشال عون إلى المملكة العربية السعودية ستكون موضع ترحيب سعودي مميّز، وهي مصدر ارتياح لبناني كبير، نظراً للمرحلة العصيبة التي مرّت بها العلاقات اللبنانية – السعودية في السنة الماضية، وتحمّل لبنان الجزء الأكبر من التداعيات السلبية الناتجة عن اهتزاز الأواصر الأخوية بين البلدين الشقيقين.
ويتوقف على نجاح محادثات القمة اللبنانية – السعودية، مصير الكثير من الملفات العالقة بين البلدين، ولعل أبرزها، وأكثرها أهمية، خطوات إعادة الزخم والتفاعل في العلاقات اللبنانية – السعودية على مختلف الأصعدة: الرسمية والشعبية، السياسية والاقتصادية، الإنمائية والاستثمارية.
إعادة العلاقات التاريخية بين لبنان والسعودية إلى سابق عهدها، من التعاون والتلاحم بين البلدين، لا يتطلب تحقيق المستحيل من جانب لبنان، بقدر ما هو المطلوب، فقط، تصحيح الخطأ الفادح الذي ارتكبته الدبلوماسية اللبنانية، يوم خالف الوزير جبران باسيل الإجماع العربي، ولم يصوّت إلى جانب القرار العربي بإدانة الاعتداءات الإيرانية، التي تعرّضت لها سفارة المملكة وقنصليتها في إيران للاعتداءات المدبرة.
الرياض لا تريد أكثر من أن يحافظ لبنان على موقعه، كجسر تواصل بين العرب، وحلقة حوار بين الشرق والغرب، بعيداً عن لعبة المحاور، وساحات الصراع المشتعلة في الإقليم.
الموقف السعودي عبّر عنه الأمير خالد الفيصل، ببلاغته المعهودة، وإيجازه المعروف، إبان زيارته إلى بيروت ناقلاً دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس عون لزيارة المملكة، وذلك خلال العشاء الذي أقامه الرئيس سعد الحريري تكريماً للموفد السعودي الكبير.
لقد ختم أمير الفكر والبلاغة كلمته بالعبارة التالية: «لا نريد أن يكون لبنان ساحة خلاف عربي، بل مُلتقى وفاق».
* * *
زيارة الرئيس عون إلى الرياض ستؤدي إلى إعادة تشريع أبواب العلاقات على التعاون، وفتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين، تعيد الحياة إلى شرايين الشراكة اللبنانية – السعودية التاريخية، التي أرسى قواعدها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، سواء لجهة تطمين مئات الآلاف من اللبنانيين المقيمين في المملكة، أو بالنسبة لاستئناف حركة الاستثمار والسياحة السعودية باتجاه لبنان.
غير أن بعض الأطراف اللبنانية، تتعمّد المبالغة في الحديث عن الزيارة ونتائجها، خاصة بالنسبة للهبة المليارية السابقة المخصصة لتسليح الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى، وكأن الهدف من ذلك، التشويش على الزيارة وصاحبها، لإدراك تلك الأطراف بالصعوبات والإشكالات المحيطة بعودة الهبة.
لا ضرورة لإعادة التذكير بما قدمته السعودية للشقيق الصغير، لإنقاذه من أزماته المتناسلة، وخاصة اتفاق الطائف الذي أنهى سنوات من الحرب العبثية، فضلاً عن المساعدات الفورية والدعم المتواصل لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وإزالة آثار الاعتداءات الإسرائيلية، لا سيما بعد حرب تموز وإعادة بناء القرى والمؤسسات التي دمرها العدو الإسرائيلي في الجنوب اللبناني.
المهم أن يعرف لبنان الرسمي، وخاصة في العهد الجديد كيف يحافظ على العلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب، وأن لا يخرج عن الإجماع العربي، ويلتزم سياسة الابتعاد عن المحاور، ويحوّل ما ورد في خطاب القسم إلى خطوات عملية على صعيد الواقع!