Site icon IMLebanon

لماذا هجوم «داعش» على اسرائىل؟

في نهاية 2015، توعد زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي بتحويل فلسطين إلى «مقبرة لليهود»، في أول تهديد صريح وعلني من جانب أحد رؤوس «التنظيم» موجه ضد الإسرائيليين، رغم ان سلوك التنظيم المتحفظ تجاه إسرائيل طالما أثار الانتقاد ودفع البعض إلى اتهامه بالتعاون السري مع «الموساد». امر يبدو انه تغير في ظل التقارير الاسرائيلية المتخوفة من ان تنقلب التسوية السورية التي يعمل عليها دوليا ضدها، محولة جهود التنظيمات المتطرفة ضدها ما اخرج الى الضوء الدعوات لضرورة اتخاذ الاجراءات الضرورية لمواجهة هكذا تطورات.

وعيد بقي اسير عمليات محدودة «استعراضية» لن يكون آخرها تبني التنظيم للهجوم الصاروخي الذي استهدف مدينة ايلات ، والذي طرح الكثير من التساؤلات حول توقيته ، بعدما دأب على إطلاق تهديدات في العامين الماضيين للنيل من الإسرائيليين في سيناء، حيث كشف موقع «ويللا الإخباري» في مقال ليورام شوارتسر، رئيس دائرة محاربة الإرهاب في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن الأوساط العسكرية والأمنية في إسرائيل تجتهد لمعرفة السبب في هذا التوقيت، معربا عن اعتقاده بأن ثمة ظروفا عملياتية ربما توافرت هي التي مكنت التنظيم من تنفيذ هذا الهجوم تحت مرأى ومسمع السلطات الأمنية في مصر وإسرائيل، اللتين تعرفان قدرات التنظيم  وتستعدان لإحباطها، لكنه هذه المرة نجح في تجاوز هذه الملاحقات ونفذ ما خطط له تجاه إيلات.

شوارتسر الذي أعاد التذكير بسلسلة العمليات التي نفذها «تنظيم الدولة» ضد الإسرائيليين منذ سنوات كان آخرها عام 2011، حين تمكن لواء أنصار بيت المقدس التابع للتنظيم من قتل ثمانية إسرائيليين قرب إيلات، وبعدها بعام حاول تنفيذ هجوم مماثل قرب معبر كرم أبو سالم في منطقة المثلث الحدودي بين مصر وإسرائيل وغزة، لكن الجيش الإسرائيلي أحبطه، كما حاول التنظيم خلال عملية «الجرف الصامد» عام 2014، إرسال «انتحاري» من عناصره لمهاجمة إسرائيل، لكن السلطات في مصر ألقت القبض عليه، معتبرا أن «داعش» ربما اراد من خلال عمليته الاخيرة تعزيز ثقة عناصره به واستقطاب دعم الرأي العام له عقب الضربات التي تلقاها مؤخرا عند الحدود المصرية-الاسرائيلية، وأسفرت عن مقتل العشرات من مقاتليه وقيادييه البارزين، حيث يتهم «تنظيم الدولة» السلطات الأمنية في مصر بتقديم المساعدة الفعالة لنظيرتها في إسرائيل، التي تبادر إلى تنفيذ الهجمات ضده، ولذلك يسعى من خلال الهجوم الأخير إلى توجيه رسالة قوية ورادعة لإسرائيل، لأنه يعتقد أن المس بها واستهداف اقتصادها وسيلتان ناجحتان لتحقيق أهدافه، مما يشير الى أن هجمات من هذا القبيل ستتواصل ولن تتوقف.

من جهتها نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تقريرا موسعا أوضحت فيه أن هناك أسباباً ثلاثة تمنع التنظيم من تنفيذ هجماته ضد اسرائيل ، أولها قوة الردع التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، بجانب قدرات جهاز «الموساد» في اختراق التنظيم، وأخيرا عقيدة «داعش» لا تعتبر مهاجمة اليهود أولوية الآن، لافتة إلى أن مئات الشباب الذين انضموا إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق، عادوا مؤخرا إلى الدول الغربية بهدف إنشاء خلايا تابعة للتنظيم في هذه البلدان، وهو ما يرجح حدوث عمليات أخرى في هذه الدول خلال الفترة المقبلة.

وأكدت «يديعوت أحرونوت» أن تنظيم «داعش» هدفه الراهن ليس اليهود، بل المملكة العربية السعودية وإسقاط الحكم الملكي، ثم الاستيلاء على مدينتي مكة والمدينة المنورة، وفي الوقت نفسه، يريد التنظيم الإرهابي شن هجمات إرهابية ضد ما يسميهم بـ «الكفار»، بما في ذلك الولايات المتحدة، مضيفة أن البغدادي يركز أهدافه خلال الفترة الراهنة على الاستيلاء على الدول العربية المعتدلة، التي تتعاون مع إسرائيل مثل مصر والأردن والمغرب، والمملكة العربية السعودية.

الصحيفة التي نقلت عن خبراء أمنيين إسرائيليين أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلم أن الهجمات الإرهابية التي حدثت في أنقرة وإسطنبول اخيرا هي كرسالة تحذير من «داعش» ضد محاولات التقارب والمصالحة بين تركيا وإسرائيل، مشيرة إلى ان تل ابيب تنتهج اسلوبا واضحاً ومباشراً في تعاملها مع خطر التنظيم. إنها سياسة التهديد الواضح، فأي هجوم قد يشنه التنظيم على إسرائيل أو داخلها، يمكن أن يأتي على التنظيم بخسائر أكبر من النتائج التي قد يحققها في هجومه. فإسرائيل لن تكتفي برد يشبه رد أميركا أو غيرها من الدول المشاركة في التحالف ضد الارهاب، معتبرة ان اسرائيل سترد رداً فعالاً ومؤلماً للتنظيم، ثم فإنها ومن خلال هذه السياسة رسمت لنفسها خطاً أحمر لا يقوى التنظيم على تجاوزه، وهو ما يدركه جيداً.

موقع «ماكو» الإسرائيلي، كشف بدوره، في تقرير له حول تنظيم «داعش» الإرهابي، أنه على خلفية تنامي موجة الإرهاب في أوروبا والهجمات المميتة التي تم تنفيذها من قبل تنظيم «داعش» في جميع أنحاء العالم، تؤكد «داعش» أن إسرائيل ليست الهدف المباشر لها ولا تركز ضرباتها عليها، مؤكدا أنه وفقا لفكر أعضاء التنظيم الإرهابي، ليس في نهجهم مهاجمة إسرائيل، ويرون ان اليهود لا يشكلون خطرا على العالم، موضحا أن التنظيم يعتقد أن هناك جماعات وبلدانا أخرى أكثر كفرا من اليهود، بما في ذلك المسلمون الشيعة، وهؤلاء يجب قتالهم قبل اليهود وفقا لفكر التنظيم، لذا فمن المهم التركيز على الحرب، واستخدام الأنظمة العربية كوسيلة لتوفير الحماية لإسرائيل نفسها، مضيفا انهم «يعتقدون أن إسرائيل قضية دينية، لكنها ليست الهدف المباشر لهم، وأن الشريعة يجب ألا تركز فقط على محاربته، لأن هذا هو عمل ضد الدين، وهذا هو السبب في أن تركز داعش ضرباتها ضد المنظمات الأخرى في المنطقة مثل حماس».

أسئلة كثيرة يطرحها الاستراتيجيون الإسرائيليون في مواجهة احتمالات شن التنظيم هجوماً عليهم، ليخلصوا إلى نتيجة بأن الإبقاء على خيار الردع قائماً وغير مستخدم هو الخيار الأفضل، على الأقل في المرحلة الراهنة. حتى ان الدعوات إلى أن يكون التنظيم أولوية للجيش الاسرائيلي لا تبدو خياراً مفضلاً لدى المستويين السياسي والامني، لأنه قد يولد مزيداً من الإرهابيين، ويفتح الباب أكثر على شهية مهاجمة الدولة العبرية سواء من قبل التنظيم أو من قبل الجماعات المتشددة الأخرى بحسب التقارير الاسرائىلية.