عشية جولة الحوار بنسخة عام 2015، وقبيل ساعات على يوم الاعتراض المنتظر،غير المحدد الشكل، وسط التوقعات بتنسيق بين الجمعيات للتعاقب في النزول الى الشارع لتأمين استمرارية التظاهر طوال اليوم، وفيما تدور ازمة النفايات،تنعقد طاولة «صراع الأولويات» المحروسة بالبنادق والبوابات الحديد، بعدما اسقط الرئيس بري طرح نقل الحوار إلى عين التينة نظرا لرمزية مبنى البرلمان والخشية من اتهام المحاورين بالهرب من المتظاهرين على وقع انقسام الآراء بين إمكانية تخطي البند الأول من جدول الأعمال في حال لم يتم الإتفاق على «رئاسة الجمهورية» وبين التمسك بإنجاز هذا البند كونه مفتاح الحل للبنود الست التالية، رغم ادراك الجميع بأن إنجاز الإستحقاق الرئاسي بات مرتبطاً بتسوية إقليمية تشمل لبنان وسوريا ودول المنطقة ككل، وشخصية الرئيس واسمه يتحدّدان انطلاقاً من هذه التسوية.
ورغم ان الطاولة والشارع يوحيان بانتقال لبنان من ستاتيكو الانتظار الذي كانت اولويته الاستقرار، الى محاولات كسْر الجمود الناجم عن حدة الاستقطاب على حد قول مصادر متابعة، فان الواقع الاقليمي الذاهب نحو المزيد من التطاحن، من اليمن الى سورية مروراً بحِراك عراقي لم تتضح مساراته، لا يشي بأي انفراج من النوع الذي يسهل إحداث اختراق في الأفق اللبناني المسدود، كانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتؤكد مصادر المنظمين الى ان الجلسات الحوار ستكون اسبوعية بهدف تكثيف اللقاءات للتوصل الى حلول، متمنية الا يتم القفز من بند الى آخر من دون الاتفاق على اي منها، متخوفة من عدم وضوح آلية عمل الحوار وكيفية اتخاذ القرارات التي قد تعطله ،علماً ان ثمة مناخاً لا يستبعد امكان الا يصمد الحوار أكثر من جلستين ولا سيما بحال قرر احد الأطراف الانسحاب منه ليلاقي موقف القوات اللبنانية.
فحوار «الضمانات المعدومة»، انطلق على وقع موقف رئيس المجلس، الذي اعتبرته مصادر الرابع عشر من آذار يناقض الاساس الذي قبلت بالحوار استناداً إليه، خاضعا لابتزاز رئيس تكتل الاصلاح والتغيير، لجهة عدم اولوية الملف الرئاسي، الذي هدد بالتصعيد في استخدام ورقة الشارع نحو اتّجاهاتاشدّ فاعلية ، في موازاة الحوار،خاصة بعد نشوة «الجمعة العظيمة» التي اصابت الرابية، مذكرة بتوصية صادرة عن مجلس النواب بعدم إقرار قانون الانتخاب في ظل غياب رئيس الجمهورية كاشفة أن سبب رفض إعطاء الأولوية لقانون الإنتخاب بدل الرئاسة، هو أنه في المشاورات التمهيدية التي كان أجراها رئيس المجلس عبر معاونه السياسي، إتفق على أن تكون الرئاسة بنداً أول، على ان لا يتم السير باي بند آخر إذا لم يوافق عليه الجميع، معتبرة ان قيادات 14 آذار اتفقت على الانسحاب من الجلسات إذا لم يتم الاتفاق على بند انتخاب رئيس الجمهورية، رغم اصرار مصادر عين التينة على ان المقصود في كلام بري «هو أنه إذا لم يحصل اتفاق على بند الرئاسة فإن البند الذي يلي هو تفعيل عمل الحكومة والبرلمان، لأنه إذا لم تكن انتخابات رئاسية فعلى الفرقاء أن يبحثوا في كيفية إدارة المرحلة بغياب الرئيس».
موقف ذهبت الكتائب ابعد منه ، اذ اشارت مصادر قيادية ، الى ان الحزب لن يجد حرجا في الانسحاب من الحوار اذا ما لمس عدم جدية في مقاربة ملف الانتخابات الرئاسية او محاولة للقفز فوق هذا البند لتمرير استحقاقات اخرى، غامزة من موقف «الاستاذ» الالتفافي على الاولوية الرئاسية والتي لا يمكن ادراجها سوى في اطار نسف الحوار من باب المضمون سعيا لرمي كرة الفشل على الفريق الآخر، في خطة يتخوف ان تكون سلسلة من حلقات بدات تكتمل في الطريق نحو ارساء توازنات جديدة تمهد لتقاسم السلطة على اسس مختلفة من تلك القائمة اليوم.
بناء عليه تعرب اوساط سياسية مطلعة، عن عدم تفاؤلها بقدرة طاولة الحوار على إحداث كوة في جدار الازمات المتصاعد، خصوصاً ان القوى السياسية حددت شروطاً يصعب معها بلوغ تسويات من شأنها تحقيق انفراج فعلي، مستبعدة تعديل افرقاء الطاولة اجنداتهم تحت وطأة المأزق السياسي – الدستوري وهدير الشارع، أقلّه في المدى المنظور، الامر الذي من شأنه ترك البلاد في اضطراب سياسي – اجتماعي من الصعب التكهن بما قد يؤول اليه، وخصوصاً مع تزايد شكوك قوى سياسية رئيسية حول هوية الحركة الاحتجاجية في الشارع ومراميها، مشيرة الى انه لا وضوح لمسار جلسات مجلس الوزراء قبل إنفضاض الحوار، كما انه على نتائج هذه الطاولة يتوقف مصير الحوار الدوري بين «تيار المستقبل» و«حزب الله».
في مقابل كل ذلك تقف حملات المجتمع المدني المشارِكة في التحرك بدورها امام محك مهم هو استقطاب الجموع في يوم «نص الجمعة»، خصوصاً انها حددت مدة الاعتصامات والتجمعات على امتداد يوم الاربعاء بطوله عملياً، وهو الامر الذي يشكل مجدداً اختباراً لهذه الهيئات لجهة القدرة على تحفيز المواطنين، وسط تسريبات عن عزم بعض المجموعات افتعال حوادث واستدراج القوى الامنية الى صدامات في فترة قبل الظهر، مستثمرة ذلك للحشد مساء.
طاولة الحوار التي تريدها 14 آذار ممراً الى انتخاب رئيس للجمهورية كأولوية مطلقة، تضغط 8 آذار لجعلها مدخلاً لانتخابات نيابية تعيد رسم التوازنات داخل الحكم، فيما يطل المجتمع المدني الذي فرض عقد جلسة لمجلس الامن، استكملت بتحرك للمجموعة الاوروبية، يتوج باجتماع للمجموعات الدولية لدعم لبنان في نهاية الشهر الجاري، وسط عشرات الاسئلة .كيف ستكون المواجهة اليوم بين طاولة الحوار وحركة «طلعت ريحتكم»؟ وعمليا، كيف ستكون المواجهة الأولى بين الرئيس بري وهذه الحركة؟ كيف ستتصرف القوى الامنية إذا ما أصرت «طلعت ريحتكم» على التقدم في اتجاه ساحة النجمة؟ هل ستكون ردة الفعل مشابهة لما كانت عليه أمام وزارة البيئة؟وهل يكون السياسيون على قدر التحدي بدءا من الاربعاء؟ ماذا عن حدود الاعتراض؟ هل الغاية منع اللبنانيين من الاتفاق، أم الضغط لإجبار السياسيين على التوافق؟
من الصعب التكهن غير ان الجواب الدقيق عن هذا السؤال، لن يتحدد مبدئيا قبل اليوم ، فمشهد الاربعاء سيكون مختلفا.