IMLebanon

لماذا تحتاج الصين الى صنع امبراطور؟

 

الصين تكمل مشروع طريق واحد، حزام واحد بتركيز السلطة في يد رجل واحد. شي جيبنغ يأخد مكانة ماوتسي تونغ متخطيا القواعد التي كرّسها دينغ هسباو بينغ لضمان التغيير على قمة السلطة كل عشر سنين. وما فعله مباشرة عبر تعديل الدستور في مجلس الشعب هو ما فعله ويفعله الرئيس فلاديمير بوتين والرؤساء العرب بالتقسيط، وما يتمنى ان يفعله رؤساء أميركا وفرنسا. بوتين يمارس مع مدفيديف لعبة الكراسي الموسيقية كبديل من تعديل الدستور ليحكم عشرات السنين. الرؤساء العرب يعدّلون الدساتير مرة بعد مرة للسماح لهم بولاية ثالثة ورابعة وخامسة، وبالتالي مدى الحياة. شي الرئيس وزعيم الحزب الشيوعي ألغى القيود التي تحدّد ولايتين للرئيس، بحيث صارت الرئاسة مفتوحة أمامه مدى الحياة.

كان ستالين يقول ان الروس شعب قيصري يحتاج دائما الى قيصر لعبادته والعمل من أجله. وهو لعب دور القيصر كما يلعبه اليوم بوتين. والصينيون، على مدى التاريخ، شعب امبراطوري، بحيث تمتّع ماوتسي تونغ بسلطة أكبر من سلطة أي امبراطور. لكن صعود شي ليس مجرد حاجة الى صنع امبراطور بمقدار ما صار من ضرورات المرحلة الجديدة في موقع الصين ودورها كقوة عظمى صاعدة. وهذا ما اختصره شي بالقول: ان موقع الصين العالمي يرتفع، ونحن في حقبة جديدة تقترب خلالها الصين من وسط المسرح العالمي.

ذلك ان الصين اليوم هي القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد أميركا، وهي قوة عسكرية مهمة على المستوى الاقليمي وتمتد الى المستوى العالمي. أميركا تتقرّب منها. كذلك روسيا. ومشروع الحزام والطريق الذي رصدت له نحو تريليون دولار يضم مشاريع في اطارات جيواستراتيجية وجيوسياسية في آسيا وأوروبا وأفريقيا.

 

حتى في الثقافة فان ٤٤٠ ألف طالب أجنبي يتلقون العلم في الجامعات الصينية.

وليس صدفة صار أكثر الكتب قراءة لدى كوادر الحزب الشيوعي كتاب الكسيس لوتوكفيل النظام القديم والثورة الصادر عام ١٨٥٦. المؤلف رأى ان نمو الثروة في القرن الثامن عشر جعل حكم فرنسا أكثر صعوبة، لأنه حين يزداد الثراء تصبح الناس أكثر انتباها الى اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية. والصين التي ازداد الثراء فيها كثر الفساد وصارت اللامساواة مشكلة. والحل: حكم طويل الأمد لرجل يمسك بقرار الحزب والجيش والدولة، يكمل محاربة الفساد ويحافظ على النظام.

عام ١٩٦٧ كتب ريتشارد نيكسون ان العالم لن يكون آمنا الى ان تتغيّر الصين. وكانت النظريات ترى ان النمو يقود الى انفتاح اقتصادي وليبرالية سياسية. لكن تجربة الصين أكدت العكس: السلطة تزداد انغلاقا وقمعا كلما ازداد البلد ثراء.