اذا كانت الملفات الخلافية المتعاقبة التي لا يخلو اسبوع من جديدها على اكثر من خلفية سياسية او امنية او اجتماعية او حتى قضائية باتت حاجة لملء الوقت الضائع في انتظار نضوج التسويات السياسية لازمات المنطقة واكتمال عناصر الاتفاق النووي الايراني، فان قنبلة بكركي الدخانية بحسب مصادر مسيحية نجحت نسبيا في امتصاص خطة رئيس تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون، الذي اقر بفشله في التحول الى مرشح «اتفاقي»، وليلحق به رئيس حزب القوات اللبنانية مسلما بصعوبة نجاح ترشيحه، ما قد يمهد الطريق لفتح ثغرة في جدار الازمة.
لكن ماذا بعد اجتماع بكركي؟ مصادر الصرح تتكتم عن ذكر التفاصيل، مؤكدة ان اي خطوات لن تتخذ قبل مناقشة المبادرات بين البطريرك والوفد البابوي برئاسة وزير خارجية الفاتيكان السابق المونسنيور دومينيك مامبرتي الذي يشغل منصب رئيس المحكمة العليا للامضاء الرسولي، والذي وصل الى بيروت، في اطار الاهتمام البابوي بمسيحيي الشرق الاوسط ولبنان، لعقد اجتماعات كنسية وسياسية، تزامنا مع معلومات عن امكان ان يعمد قداسة البابا فرنسيس الى تسمية مبعوث خاص مقيم للمنطقة، يكون مقر اقامته في بيروت لمتابعة الوضع المسيحي عن كثب.
المصادر التي ابدت انفتاح الصرح على اي طرح جديد يؤدي الى تسريع انجاز الاستحقاق الرئاسي، تحت سقف عدم اجراء اي تعديل دستوري ووفقا للاصول المرعية، اعتبرت أن خطوة انعقاد الإجتماعات في بكركي لن تكون الأخيرة وان التواصل سيبقى قائماً بين البطريرك الراعي ومختلف السياسيين الذين قرروا فتح ثغرة في جدار الأزمة، لافتة الى أن سيد الصرح مهتم في المقابل بإبقاء الوحدة الوطنية متماسكة لا سيما ان المشهد الراهن لا يبعث بالطمأنينة وان الاستمرار في عمليات الفعل وردات الفعل لن تجلب سوى التعقيدات.
وتتابع المصادر بان الخشية هي من ان تكون هذه التحركات «بلا بركة»، مع دخول لبنان مرحلة من الإنتظار الطويل، استنادا الى الاجواء الدولية والاوضاع الاقليمية المتجهة الى مزيد من التازيم، فالتسويات المؤثرة في الاستحقاق لم تنضج بعد، كما ان التقارير الدبلوماسية الصادرة عن السفراء الغربيين في لبنان تؤشر الى ان تأخير انتخاب الرئيس يعقد الامور كثيرا وقد ينعكس على صيغة لبنان الكيانية، والى دراسات صادرة عن مراكز ابحاث اميركية تحذر من خطورة وضع المسيحيين والاقليات في الشرق في ظل تنامي التنظيمات الاصولية والتكفيرية، اضافة الى القلق من امكان انهيار الاستقرار الامني والسياسي الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد، بعدما تضمنت تقارير السفراء الى حكوماتهم مخاوف من انعكاسات تورط حزب الله في معركة القلمون وتداعياتها على الاستقرار في الداخل اللبناني.
غير ان اللافت في المقابل كان اصرار اوساط مسيحية في 14 آذار على اعتبار ان لقاء بكركي وضع الانتخابات الرئاسية على سكة السير، مستندة في ذلك الى سلسلة من المعطيات والاشارات، التي تذهب بعيدا عن المعلن ويمكن قراءتها بين اسطر الاجتماع الذي شهده الصرح، لعل ابرزها:
– اعاد طرح الانتخاب بالنصف زائداً واحدا الاوراق داخل الفريق الآذاري، رغم اقرار الاوساط بان الهدف الفعلي من طرح هذه النظرية يهدف الى اسقاط مبادرة العماد عون بالتعادل السلبي.
– التساؤلات التي طرحها مشاركة القوات اللبنانية في اطار الوفد الآذاري الذي رفض بوضوح مبادرة عون، وانعكاس ذلك على ما ينشر عن اتفاق اطار مبدئي بين الرابية ومعراب، رغم اصرار المصادر العونية على الترويج لموافقة قواتية على السير بالمبادرة.
– تصويب مصادر الرابية نيرانها باتجاه تيار المستقبـل، محمـلة الاخير مسؤولية الـدفع الى الواجـهـة بحلفائه المسيحيين في معركة اسقاط الطرح العوني.
– نجاح الصرح بتسجيل هدف في سلة رئيس المجلس مع رميها «كرة النار الرئاسية» في ملعب الاستاذ، باجماع مسيحي.
– «النقلة النوعية» في خطاب البطريرك والتي ترجمت في تبنيه لنظرية الرئيس القوي رافضا حصر المسؤولية عن الشغور للمقاطعين، رغم رفضه للوسيلة التي يتبعها هذا الفريق، ما بدا استراتيجية جديدة تقوم على الامساك بالعصا من الوسط..
– حرص الراعي على عدم اعتبار اللقاء في اساسه موجها ضد احد وتحديدا العماد عون، تلافيا لجعل بكركي راعية للانقسام المسيحي، وهو ما دفعه الى الاتصال هاتفيا بالعماد ميشال عون مساء اليوم ذاته موضحا موقفه منعا للتأويل.
«بالنصف زائدا واحدا» فتحت معركة سياسية جديدة في سجل الخلافات المحتدمة على جنس الملائكة بين أهل البيت البرلماني، التي انتهت بضربة قاضية من بكركي، استفاد منها رئيس مجلس النواب، الذي ينقل زواره عنه تشاؤمه من امكانية اجتراحه اي حلول بعد اتمام الشغور الرئاسي عاما كاملا، لقطع الطريق مباشرة على الدعوة «الاذارية والمستقلة» ذاهبا الى التساؤل عمن يريد ان يلاقي مشاريع التقسيم في المنطقة بطرح سياسي كالنصف زائدا واحدا؟