IMLebanon

لماذا «داعش»؟

عاجلا ام آجلا، ستبيّن ان ليس في الإمكان هزيمة «داعش» من الجو. هل من نيّة حقيقية في الإنتهاء من «داعش»، خصوصا انّ كلّ من له علاقة بالسياسة والعلم العسكري من قريب أو بعيد، يعرف انّه لا يمكن هزيمة هذا التنظيم المتوحش من دون وجود لقوّات على الأرض. هذا يعني في طبيعة الحال تكاليف ستتحملها الدول المهتمة فعلا باقتلاع هذا الخطر من جذوره. هل من استعداد اميركي لذلك… ام سيترك الأمر للأوروبيين والروس الذين ليسوا قادرين وحدهم على تنفيذ عملية عسكرية واسعة تفضي الى اجتثاث «داعش»؟ 

تنبّه الكرملين الى خطورة الوضع في سوريا، ولكن من وجهة نظر خاصة به تتجاهل العلاقة بين النظام السوري و»داعش» والحواضن المتوافرة لهذا التنظيم الإرهابي. هذا جعل روسيا تلعب دورا في خدمة «داعش»، اقلّه حتّى الآن. 

قبل تفجير طائرة الركّاب الروسية فوق سيناء وقبل تفجير برج البراجنة في بيروت وقبل المجزرة التي حصلت في باريس، ارسلت روسيا طائرات الى الأراضي السورية ونحو ثلاثة الاف مقاتل لحماية القاعدة الجويّة القريبة من اللاذقية التي تستخدمها هذه الطائرات. متى سيكتشف الروسي ان خطوته هذه ليست كافية في حال يريد «اقامة توازن على الأرض» تمهيدا لحل سياسي، كما يردّد فلاديمير بوتين امام كبار زوّاره؟

لا مجال للتخلص من «داعش» من دون مقاربة شاملة. كلّما مرّ الوقت زادت صعوبة هذه المهمّة، لا لشيء سوى لأنّ القصف الجوي لا يؤدي النتائج المطلوبة.

تشمل المقاربة الشاملة ايجاد مخرج لبشّار الأسد من السلطة باسرع ما يمكن. نعم، ان علي خامنئي وفلاديمير بوتين على حقّ عندما يقولان بعد لقائهما في طهران انّه ليس مقبولا فرض حلول من خارج على سوريا. من الطبيعي عدم فرض حلول على سوريا من خارجها. لكنّ ما هو طبيعي اكثر امتناع روسيا وايران عن فرض حلول بالقوّة على الشعب السوري الذي يريد باكثريته الساحقة التخلّص من النظام الذي اذلّه طوال ما يزيد على نصف قرن. كان ذلك في اليوم الذي وصل فيه حزب البعث الى السلطة اثر انقلاب عسكري في الثامن من آذار ـ مارس من العام 1963. ما تلا هذا الإنقلاب بات معروفا، وصولا الى حكم الطائفة في 1970، ثم حكم العائلة ابتداء من السنة 2000.

من يسعى الى فرض حلّ من خارج على سوريا، على الشعب السوري تحديدا، هما روسيا وايران. فبوتين يعرف قبل غيره ان مسألة سقوط بشّار الأسد كانت مسألة وقت ليس الّا لولا التدخل العسكري الروسي. هذا التدخّل سيطيل المأساة السورية ولا شيء آخر غير ذلك. كلّما ادّى اليه التدخل الروسي وقبله الإيراني، اكان ذلك في سوريا أو العراق، يتمثل في توسّع «داعش» وتمدده في كلّ الإتجاهات.

هناك حاجة الى وقف نموّ هذا السرطان وتمدّده. لا مجال لأيّ علاج جذري لا يشمل التخلّص من النظام السوري والعمل في الوقت ذاته على وقف ارتكابات «الحشد الشعبي» في العراق. هناك ميليشيات مذهبية تتصرّف مع السنّة العرب كأنّها الدولة العراقية وقد خلقت حاضنة عراقية لـ»داعش»، الى جانب الحاضنة السورية.

لو جاءت كلّ الطائرات الفرنسية وليس حاملة الطائرات «شارل ديغول» وحدها، ولو وضعت بريطانيا قاعدتها في قبرص في تصرّف فرنسا، كما تعهّد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، لن يقود ذلك الى القضاء على «داعش». لن يحصل شيء ذو مغزى في غياب الموقف الأميركي الواضح والقاضي بالإعداد لحملة عسكرية على الأرض ومعالجة الأسباب التي تجعل «داعش» يمتلك حواضن في سوريا والعراق… ومناطق اخرى.

يظلّ السؤال المحيّر لماذا هذا الموقف الأميركي المائع حيال كل ما يدور في سوريا؟ هل الإدارة الأميركية مع «داعش» أو ضدّه؟ هل يكفي ان يكون باراك اوباما مصرّا على انتهاج سياسة معاكسة كلّيا لسياسة جورج بوش الإبن حتّى لا يحترم تعهداته السورية، بما في ذلك «الخط الأحمر» الذي تحدّث عنه قبل لجوء بشّار الأسد الى السلاح الكيميائي في حربه على شعبه صيف العام 2013.

الى اشعار آخر، لا وجود سوى لسياسة وحيدة واضحة تجاه سوريا. هذه السياسة هي تلك التي تنتهجها طهران وموسكو. تقوم هذه السياسة على تقاسم سوريا في غياب القدرة على الإبقاء على النظام القائم. في انتظار اكتمال عملية التقاسم التي ليس ما يشير الى ان الإدارة الأميركية تعترض عليها، يبدو «داعش» اكثر من مفيد لهذا الحلف، بل حاجة له. يأتي ذلك في ظل البحث الروسي ـ الإيراني عن بعبع ارهابي يبرّر وجود ميليشيات مذهبية عراقية ولبنانية وافغانية وخبراء ايرانيين في الداخل السوري… وسيطرة روسية على مناطق الساحل.

ايران مهتمّة في نهاية المطاف بجزء من سوريا لديه ممرّ الى مناطق يسيطر عليها «حزب الله» في لبنان، وروسيا مهتمّة بان لا تصل انابيب الغاز الآتي من الخليج الى الشاطئ السوري.

على الرغم من احتمال بروز تناقضات بين موسكو وطهران في المدى البعيد، يظلّ الجانبان قادرين في الوقت الحاضر على ايجاد قواسم مشتركة بينهما في شأن كلّ ما له علاقة بسوريا.

لا شكّ ان الموقف الأميركي، الذي يعني اوّل ما يعني، الحاجة الى مقاربة مختلفة جذريا لموضوع «داعش»، يساعد في المد من عمر هذا التنظيم الذي يخدم طهران وموسكو والنظام السوري طبعا… من حيث يدري أو لا يدري، والأرجح من حيث يدري!

لماذا «داعش»؟ الجواب بكل بساطة لأنّ هناك غير طرف في حاجة اليه ويبني سياسته انطلاقا من هذه الحاجة.