ما يواجهه الرئيس سعد الحريري داخل تيار المستقبل من معارضة لتبنيه انتخاب ميشال عون لا يرتبط بشخص «الجنرال» ولا بطروحاته، وهو سيكون رئيسا يشبه من سبقوه بعد اتفاق الطائف بصلاحياته المحدودة، لكن الاسئلة الجدية التي تواجه الرئيس الحريري تتعلق بما يصفونه «بالانتصار المجاني» الذي يعمل على اهدائه بكل «سذاجة» الى الحزب «المثخن» بجراحات الحرب في سوريا…
وبحسب اوساط سياسية «بيروتية» اطلعت على النقاشات التي دارت داخل «البيت الازرق»، فان المطالعة التي توالت القيادات «الزرقاء» على عرضها، وفي مقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة، انطلقت من اجراء مقارنة بين وضعية حزب الله قبل عشر سنوات، في لبنان والعالمين العربي والإسلامي، وبين الوضعية التي آل إليها اليوم، بعد التدخل في الحرب السورية، وقيل له انه بعد عام 2006 نجح حزب الله في «تسويق انتصاره» على اسرائيل واقتنع العالم العربي والاسلامي بهذا الانتصار، كان الحزب قوة لا تقهر بفعل الاحتضان الداخلي والخارجي، ووصلت به الجرأة لاستخدام سلاحه في بيروت عام 2008ورغم ذلك جاءت اتفاقية الدوحة لتعيد التوازنات الداخلية الى سابق عهدها، وتم التوافق على انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وعاد السنيورة الى الحكومة، وجرى عمليا اجهاض اي مفاعيل «للانتصار» العسكري الداخلي الذي حققه الحزب… بعد كل هذه السنوات نجحت اطراف كثيرة في عزل الحزب و«شيطنته»، فلماذا نتبرع اليوم في تيار المستقبل لمنحه انتصارا مجانيا لن يحسب ابدا لا للمسيحيين ولا لعناد «الجنرال» الذي يدرك ان صراخه وحراكه لن يصل الى شيء لولا دعم حزب الله؟
في التوقيت لم يفهم معارضو التسوية هذه «الهرولة» الحريرية الان في مرحلة انتقالية تمر بها الولايات المتحدة الاميركية، الادارة الراهنة اصبحت خارج نطاق الخدمة الفعلية، وهي اصلا لم تكترث في خضم نشاطها للازمة اللبنانية، فلماذا الدخول في تسوية محلية دون سند دولي… واذا كانت معالم الرئيس الاميركي الجديد غير واضحة حتى الان، واذا كان احتمال حصول تغيير في تعامل الادارة الجديدة مع الساحة اللبنانية محط تساؤل، فان الانتظار افضل بكثير من الاقدام على خطوة في المجهول، فرص تحقيق تسوية بشروط افضل قد تكون متاحة مع العهد الجديد، المطلوب فقط التريث وعدم الاستعجال والانتظار اسابيع قليلة قد تحمل مؤشرات يمكن البناء عليها بصورة افضل…
وكذلك لفت هؤلاء الرئيس الحريري الى ما يجري في سوريا من «كباش» قاس بين الولايات المتحدة وروسيا، لا احد يتوقع حصول تصادم عسكري بين الدولتين، لكن «لعبة عض الاصابع» ستفضي في نهاية المطاف الى تسوية غير واضحة المعالم حتى الان، لكن في الوقت الراهن لا داعي لاستباق النتائج في لبنان والذهاب الى اتفاق مع حزب الله وفق قواعد الاشتباك الحالية، من الافضل الانتظار لاستكشاف ما ستؤول اليه الامور، وعندئذ يبنى على الشيء مقتضاه، فاذا حسنت واشنطن شروطها في التسوية فهذا سينعكس ايجابا على حلفائها في المنطقة، واذا تراجعت مجددا امام روسيا، وسلمت بالامر الواقع عندئذ لن تفضي الامور الى نتائج اسوأ من انتخاب عون، لكن الامر سيتم حينئذ تحت عنوان تسوية الامر الواقع…
وبالنسبة للمعترضين لا يمكن فهم «الحياد» السعودي بانه سياق ايجابي، فترك الامور لتقدير الرئيس الحريري يعني انه سيتحمل وحده مسؤولية اي اخفاق، وهذا يعني انه سيكون دون اي مظلة اقليمية تؤمن له «خط الرجعة» في حال ساءت الامور، وهذه المعادلة شديدة الخطورة لانها ستعرضه للابتزاز من قبل خصومه الذين يعرفون جيدا انه يفتقد الرعاية الخارجية، وسيضطر الى تقديم التنازلات تلو الاخرى خوفا من الفشل الذي سيؤدي اذا ما حصل الى نهاية «حياته السياسة» على الساحة اللبنانية..فلماذا اذا المخاطرة؟ اليس من الافضل انتظار عودة المياه الى مجاريها مع المملكة واستعادة الغطاء الاقليمي السني الذي يؤمن الحماية المطلوبة داخليا؟؟
اما بالنسبة الى ما يمكن تحقيقه من مكاسب داخلية، فلا شيء محقق واكيد لدى هؤلاء سوى عودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة، وغير ذلك من تفاهمات سياسية ليست سوى شراء «سمك في البحر»، لان التفاهم مع التيار الوطني الحر، تفاهم مع طرف لا يملك القدرة على تقديم الوعود واذا وعد فهو غير قادر على الايفاء بأي التزام، تقاسم «خيرات» السلطة في مكان آخر، «ورسالة» الرئيس نبيه بري العلنية تحت عنوان «السلة» واضحة ولا تحتاج الى الكثير من التفسير، عودة «الغزل» مع بكركي والايحاء بالموافقة على نداء الصرح البطريركي،لا يلغي شروط رئيس المجلس للموافقة على السير بصفقة عون- الحريري، ثمة من ذكر رئيس تيار المستقبل بما قاله له رئيس المجلس مؤخرا حين التقاه، «بأنه سيكون في المعارضة اذا ما اقدم على المضي بخياره الرئاسي الجديد»، هي «رسالة» يعرف الحريري جيدا معناها، ثمة ثمن لكل شيء، العودة الى رئاسة الحكومة لن تكون مجانية، الضمانات ليست مطلوبة حصرا من الرئيس العتيد للجمهورية، بل يقع الحمل الاكبر على رئيس الحكومة المضطر للقبول بالكثير من التسويات للعودة الى السرايا الحكومية..
ومن هنا يأتي لوم الرئيس السنيورة على الحريري، فالامر يتعلق بالشكل قبل المضمون، الدخول في مفاوضات من موقع ضعف يعني خسارة نصف المعركة قبل ان تبدأ، ومجرد معرفة الطرف الاخر ان الدافع الوحيد للتسوية هو حالة الوهن السياسي والمالي والحاجة للعودة الى رئاسة الحكومة بأي ثمن، يعني «انك لن تحصل على ما يؤهلك لاستعادة ما فقدته رسميا وشعبيا»، فالخصوم يعرفون جيدا كيف يديرون «اللعبة الداخلية»، بعد اتمام الاستحقاق الرئاسي الذي سيكون انتصارا لا يقبل التأويل لحزب الله، سيغرق الجميع في «دوامة» تشكيل السلطة، ولن يكون الحزب طرفا فيها، هو سينأى بنفسه عن هذا الملف، ستكون «ملائكته» حاضرة في التعطيل الداخلي، وهو سيمضي في خياراته الاستراتيجية بعد ان يكون قد حقق ثلاثة اهداف، الاول تعزيز موقعه في الشارع المسيحي بعد ان يكون قد اوفى بوعده للجنرال عون، الثاني حصل على الاستقرار الداخلي الذي يريده للاستمرار بتأدية الادوار الاقليمية المنوطة به، والهدف الثالث انقسام الساحة السنية ووضع تيار المستقبل في مواجهة داخلية مع شارعه، ومع خصومه المستجدين الذي خرجوا من «الرحم» «الازرق»… فما الذي يريده افضل من هذه النتائج؟
طبعا الرئيس الحريري «ملّ» من سماع كل هذه الانتقادات «المبررة»، هو يعرف جيدا انها مخاطر جدية لكنها تستحق «المغامرة»، يدرك ايضا ان حزب الله غير معني بإنجاح مهمته في رئاسة الحكومة، لكن الحزب مهتم بالاستقرار، وهذا يكفيه في هذه المرحلة، الحزب لا يريد منه التزامات استراتيجية تتعلق بسلاح المقاومة او الحرب في سوريا، وهو لا يريد تقديم التزامات، ثمة ملفات يصعب حلها في المدى المنظور، وسيستمر التعامل معها وفق تجربة الرئيس تمام سلام الحكومية، في رأيه فان ثمن انتخاب عون يبقى ثمنا بخسا مقابل عودته الى الحكومة، اسهب اكثر من مرة في شرح «صعوبة اوضاعه»، هو مقتنع بان انتخاب «الجنرال» ليس عنوانا لانتصار حزب الله الذي لا تعنيه الرئاسة الاولى، وهو قال لمنتقديه ان الحزب يحقق ما يريده في ظل «الشغور الرئاسي» حتى ان وجود الرئيس سليمان لم يؤثر في استراتيجية الحزب… اما من «يهول» عليه في «المستقبل» بخسارة شعبيته فيدرك ان الخسارة قد وقعت والاجواء ليست «وردية»، والعودة الى رئاسة الحكومة كفيلة بحل جزء كبير من المشكلة، اما الرهان على الوقت بانتظار الاستحقاق السوري اوالاميركي «فمغامرة» قد يكون ثمنها خسارة العودة الى رئاسة الحكومة.. الحريري في سباق مع الوقت يريد «تعبيد الطريق» امام «الصفقة»، يخشى فقط «انقلاب» في الموقف السعودي «يفرمل حراكه» ويعيده الى «نقطة الصفر»… ويضع مستقبله السياسي في «مهب الريح»…