سال حبرٌ كثير حول انتظار الرابية موقفاً من «بيت الوسط» يفتح الطريق أمام العماد ميشال عون الى قصر بعبدا. وسرَت روايات تحدّثت عن تصويت داخل كتلة «المستقبل» للمفاضلة بينه وبين مرشّحها النائب سليمان فرنجية. واتّهم البعض وزير الداخلية نهاد المشنوق بتسويق عون وهو ما دفَعه الى التوضيح رافضاً «المهمّة التسويقية». فما الذي قصَده المشنوق؟ ولماذا تأخّر في التوضيح؟
من المفترض أن يضع التوضيح، الصادر عن وزير الداخلية عبر «الجمهورية»، حدّاً للروايات التي وضعته في موقع التسويق داخل تيار «المستقبل» لمشروع يقود الى التخلّي عن ترشيح الرئيس سعد الحريري رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وتفضيل عون، فيختصر ما يجري من مفاوضات وسيناريوهات تُنهي العقدة الرئاسية وتختصر مرحلة الشغور في قصر بعبدا.
لكنّ وضع حدّ لهذه السيناريوهات ينتظر أن يأخذ مسوّقوها في الإعتبار، المتوافر من معطيات اقليمية ودولية ومحلية تُرجّح استمرار الشغور الرئاسي الى أجل غير مسمى، علماً أنهم يعرفون جيداً أنّ فيها كمّاً من التمنيات والرغبات والأوهام والكثير من الضغوط النفسية والإعلامية بما يزيد على ما فيها من حقائق، وهي لم ولن تغيّر في الإقتناعات شيئاً.
وبناء على ما تقدم، تُعبّر أوساط وزير الداخلية عن اقتناعها بما سبق هذه الوقائع التي تعكس حقيقة المواقف ولا ترى في تصريحه أمس، الرافض تهمة تسويق عون أو غيره، تصحيحاً بسيطاً لمسار الأمور.
وتعتقد أنّ من يعنيهم الأمر يُدركون أنه لم ولن يسوّق لهذا المرشح أو ذاك، وكلّ ما طرَحه كان في سبيل استشراف المستقبل، فلا تبقى الأوضاع «مُكَربَجة». فهو يدرك، ومعه كثر، أنّ هؤلاء جميعاً في المأزق ولن تقود مكابرة البعض وإغفاله هذه الحقائق الى أيّ من الحلول المرجوة.
وتذكّر الأوساط بأنّ المشنوق وجّه الدعوة في أكثر من لقاء ومناسبة الى مقاربة الإستحقاق الرئاسي من بوّابات ومسارات أخرى للخروج من المأزق. فهو على تواصل مع الجميع ولا يُخفي علاقاته الممتازة مع مختلف الأقطاب، وقد عزّزتها اللقاءات التي قادته الى معراب والرابية وبكفيا وبنشعي قبَيل الانتخابات البلدية والاختيارية، والتي نسجت مزيداً من علاقات الود التي تجمعه بهؤلاء القادة وغيرهم.
فهو، ومعه كل من تابع التحضيرات لهذه الإنتخابات، يُدرك حجم ما ساهمت فيه تلك الإتصالات من تخفيف أجواء التشنج في بعض المناطق، ولا سيما منها تلك التي نشأت بين حلفاء الأمس مثل «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» في أكثر من بلدية، قبل أن تصاب قوى «14 آذار» بما أصيبت به من اهتزازات، ويضاف اليها ما حقّقته أيضاً في ترميم مشكلات كثيرة عصفت بالطائفة السنيّة، فتجاوزت الإنتخابات في البقاع الغربي وعكار وإقليم الخروب كثيراً من العوائق بين «المستقبل» والقيادات والعائلات السنية الأخرى التي لم تكن على توافق قبل هذا الاستحقاق.
ومن هذه الخلفيات بالذات، تُصرّ أوساط وزير الداخلية على التأكيد أنه لم يكن يُسوّق لعون بدلاً من فرنجية، ولم يكن في ذهنه عندما طرَح فكرة إعادة النظر في لائحة المرشحين للرئاسة إجراء أيّ إعادة نظر او مفاضلة بين عون وفرنجية حصراً، بمقدار ما دعا الى الخروج من اللائحة المقفلة للمرشحين بحثاً عن ثقب ما يُخرج الإستحقاق من الدائرة المفرغة.
وتضيف هذه الأوساط أنّ المشنوق يُدرك كما الآخرين أنّ استمرار الربط بين الإستحقاق الرئاسي وتطورات المنطقة قد يودي بالبلد الى ما لا يريده أحد، وأنّ قراراً سياسياً يُجمع عليه القادة المسيحيون خصوصاً، واللبنانيون عموماً، يمكن أن يخرج الإستحقاق من لائحة القضايا الإقليمية للعودة به الى المطبخ اللبناني.
إذ إنّ لانشغال العواصم الكبرى بالقضايا الإقليمية والدولية محاسن يمكن النظر اليها واستغلال هذه الفترة ليخرج اللبنانيون باستحقاقهم بصفقة لبنانية – لبنانية يمكن الوصول اليها بحوار يبدأ في المؤسسات الحزبية ومنها الى المؤسسات الوطنية.
وتعطي الأوساط مثالاً على ذلك ما شهدته كتلة «المستقبل» من نقاش داخلي في هذا الملف، توصّلاً الى تكوين اقتناع يقود الى نقل هذا الحوار من المؤسسات الداخلية الى المؤسسات الوطنية وهي كثيرة.
ولا تغفل الإشارة الى أنّ هيئة الحوار الوطني هي واحدة من أطر الحوار، وقد يتّفق اللبنانيون على مواقع أفضل ليكون شاملاً، شرط أن يكون الجميع قد عقدوا العزم على مقاربة الإستحقاق بنحو يتجاوزون فيه الطرق المقفلة بالمشاريع الخاصة والسعي الى الدخول في حوارات بديلة مع الآخرين تفتح الطريق الى بعبدا وتُنهي الشغور الرئاسي.
وتراهن أوساط وزير الداخلية على قدرة اللبنانيين على استعادة المبادرة الداخلية. وتقول: «طالما نحن في شهر آب، فهل يتذكر الجميع زيارة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير للمختارة عام 2001 وما شكّلته من خرق كبير للحصار الذي يفرضه الوضع الإقليمي على اللبنانيين؟ لذلك ما الذي يمنع من استنساخ تلك التجربة مرة أخرى؟».
فهل يفعلها اللبنانيون ليثبتوا أنهم قادرون على حكم بلدهم بأنفسهم؟ إنه الرهان الذي ينتظر فهم ما قصده وزير الداخلية في طرحه الأخير للخروج من شرنقة مربّع الترشيحات وثنائيتها الى أفق أوسع من دون التسويق لهذا الإسم أو ذاك بحثاً في لائحة هي أطول ممّا يتصوّره أسرى الدوائر المقفلة للمرشحين.