بين زيارة جبران باسيل الى عاليه قبل اسبوعين والزيارة التي يزمع القيام بها بعد يومين الى الشوف تبدلت معطيات كثيرة واختلفت امور كثيرة بفارق زمني قصير، واذا كانت الاولى احدثت شرخاً كبيراً في العلاقة وتبادل اتهامات، كونها حصلت بدون تنسيق او دعوة النائب وليد جنبلاط والحزب الاشتراكي، وحيث تقصد جبران باسيل استفزاز الزعيم الاشتراكي في عقر داره فبعث الرسائل من منبر الجبل حول المصالحة التي لم تتحقق وقارب ملف المجازر والحرب عندما تحدث عن مقابر وعظام المسيحيين، الأمر الذي أغضب جنبلاط فذهب الى تغريدات المصالحة والى محاكاة البطاركة مار نصرالله بطرس صفير والبطريرك بشارة الراعي. فان الزيارة الثانية في توقيت قصير تختلف في الشكل والمضمون وعليه فان التيار الوطني الحر الذي كسر الجرة الماضية مع وليد جنبلاط يحاول اليوم ان يرمم ما انكسر في الجولة الماضية الى الجبل. وعليه فان وفداً عونياً زار كليمنصو لدعوة الزعيم الدرزي الى لقاء الجبل او جولة باسيل مما طرح اكثر من علامة استفهام وتساؤلات كثيرة حول الغرض من هذا التغيير المفاجىء في التعاطي العوني مع الزعيم الاشتراكي، خصوصاً ان العلاقة الاشتراكية والعونية لم تكن يوماً بافضل احوالها، وما صدر من مواقف واشارات سواء عندما قرر رئيس الجمهورية قبل شهرين التوجه الى دير القمر من نزع صوره ولافتات الترحيب به قبل ان تتم معالجة الأمر، او من خلال المقاطعة الرسمية التي تحصل بين العونيين والاشتراكيين في المناسبات الحزبية والاجتماعية المتداخلة تؤكد استحالة الالتقاء بين الطرفين، كما ان وليد جنبلاط بات واضحاً انه سيكون الى جانب القوات والكتائب في الانتخابات النيابية في دائرة الشوف وعاليه في مواجهة التيار الوطني الحر الذي يخوض انتخابات قاسية في العرين الدرزي ويسعى الى انتزاع المقاعد المسيحية من سيطرة جنبلاط وتقويض تحالفاته المسيحية.
ولعل السؤال في معاني دعوة جنبلاط والوقوف »على خاطره» هذه المرة، ما الذي تغير في غضون الفاصل الزمني القصير ليبدل التيار الوطني الحر استراتيجيته في التعامل مع جنبلاط فيبادر التيار الوطني الحر الى زيارة كليمنصو ودعوة جنبلاط للمشاركة في جولة باسيل؟ وهل يمكن ان يفجر باسيل اي مفاجآت انتخابية من الجبل؟
بحسب المتابعين فان خطاب جبران باسيل من عاليه سبب «نقزة» وهزة تواصلت ارتداداتها على مسافة الجبل ولدى الحلفاء والاخصام للاشتراكي والعوني، وهو لم يؤد غرضه اللازم في المرة الماضية، فباسيل الذي يعتبر الدينامو المحرك اليوم للعونية السياسية بعد ان اصبح ميشال عون رئيساً تقصد استفزاز جنبلاط وفتح معركة الجبل وجره الى ساحة المواجهة والمنازلة والى التصعيد قبل الانتخابات لاستقطاب وتجييش الشارع المسيحي الذي لم يتصالح بالكامل مع وليد بيك كما تقصد ان يفتح النار في وجه الجبهة السياسية التي اقتربت من ان تبصر النور بعد لقاء كليمانصو، وبعد ان اصبح واضحاً ان التحالف في الجبل حتمي بين القوات والاشتراكيين ومع المستقبل فيما تحالفات التيار واضحة مع الوزير السابق وئام وهاب وشخصيات سنية مستقلة.
عدا ذلك فان اوساطاً في التيار الوطني الحر تعترف «بأن الخطاب الباسيلي لم يفعل فعله، بل كانت ارتداداته سلبية، وبأن رئيس الجمهورية عبّر عن تضايقه وانزعاجه من لهجة التخاطب مع الجمهور المسيحي المبنية على نبش الماضي الأليم فيما يفترض فتح صفحة مختلفة في الجبل، وبالتالي كان لا بد من التوضيح والتصحيح، فاتت الاشارة والتحرك نحو كليمنصو.
وبحسب اوساط سياسية فان معالم التحالفات في الشوف وعالية وبعبدا باتت شبه مكتملة بين الاشتراكي والمستقبل مع انضمام القوات اللبنانية حتماً اليه، فيما يتحالف التيار الوطني الحر مع الوزير السابق وئام وهاب وشخصيات مستقلة. من هنا تقول الاوساط ان التحالف مع الاشتراكي في الانتخابات غير مطروح او وارد حالياً، والتيار الوطني الحر اليوم قادر على الحصول للمرة الاولى على مقعدين في الدائرة التي كانت عاصية عليه في الانتخابات الماضية وفق قانون الانتخابات الجديد، وكان التيار الوطني الحر انتهج خطة الضرب في الخصوم في حملته الانتخابية قبل ان يبادر الى التخفيف منها مؤخراً، فان خطة التيار الانتخابية تركز على عامل الخدمات في قرى الجبل من خلال وزارة الطاقة وموقع التيار وحلفائه في الوزارات السيادية والخدماتية، وخصوصاً ان التيار الوطني الحر وفق القانون الانتخابي الجديد قادر على هز العرش الجنبلاطي وتحقيق اختراقات في لائحة جنبلاط وحلفائه.
بدون شك فان المواجهة واقعة في عالية والشوف، وجبران باسيل لطالما كان يحتل رأس التويترات والتغريدات الجنبلاطية، فالمسيرة بين جنبلاط وباسيل تبدو حافلة بالألغام بداية عندما بدأ جبران باسيل برمي مشاريعه وطروحاته الانتخابية وعندما شعر جنبلاط ان ثمة من يريد مصادرة مجلس الشيوخ. وعليه انتقلت المواجهة اخيراً من مواجهة المختارة والرابية في الماضي الى مواجهة بشكل مقنع ومختلف بين وزير الخارجية والزعيم الاشتراكي، فمقابل الهدوء والوئام بين القوات والاشتراكيين في الجبل، فان الوضع الراهن ليس في افضل اوقاته بين العونيين والاشتراكيين، ثمة تباينات واختلافات ومقاطعة من جانب الاشتراكيين لمشاريع يرعاها التيار الوطني الحر والعكس صحيح. وهذه الاشكاليات سوف توضع على طاولة البحث عما قريب حيث من المتوقع ان يعاد تفعيل اللجان الاشتراكية والعونية التي توقف عملها قبل سنوات نتيجة التباعد في الرؤيا والاستراتيجيات السياسية. وعليه فان الحزب التقدمي الاشتراكي سيواكب زيارة باسيل الثانية الى الجبل من خلال ممثلين له في محطات الجولة.
واذا كان التحالف الانتخابي مستبعداً فان التقارب بين الاشتراكيين والعونيين مطروح بقوة قبل الانتخابات وبعد ان وصلت الأمور الى حدود غير مقبولة بين الطرفين، وقد باتت التهدئة لزاماً على الطرفين، فوليد جنبلاط اليوم لا يريد الا العبور السياسي الآمن لنجله تيمور والتحالفات الضامنة له مع اي فريق كان، وبدون شك فان جنبلاط تجاوز كابوسه المرعب بالابتعاد عن الحريري واضاعة البوصلة وهو الذي كان يتخبط مؤخراً في ازماته، بعدما أقلقه تفلت سعد الحريري في المراحل الماضية من عقاله السياسي وانحيازه الى بعبدا، وخصوصاً ان جنبلاط حاول أكثر من مرة توجيه تحذيرات الى الحريري وبعث له برسائل لكن بقيت دون جدوى، فرئيس المستقبل انتقل في المرحلة السابقة الى الضفة الأخرى في السياسة بجانب رئيس الجمهورية ولم يعد يحلو له العيش في كنف المختارة. وعليه كان جنبلاط يتخبط في هواجس كثيرة، من النية الإلغائية لتحجيمه انتخابياً، وهو يعيش منذ وصول ميشال عون الى بعبدا أزمة سياسية حادة وحالة قلق «وجودية»، فهو غير قادر على الاقتراب كثيراً من رئيس الجمهورية قبل معرفة المسار السياسي للعهد ووضعيته الانتخابية بعدما هدده باسيل بطروحات ومواقف فيها الكثير من التحدي، كما انه كان يشعر مؤخراً بانه الحلقة الأضعف لانه صار خارج دائرة القرار السياسي، لذلك فان جنبلاط هرب منذ بضعة أشهر الى «التويترات» ليعبر عن قلقه وسخطه وعدم ارتياحه حيال التغيرات التي حصلت على الساحة الداخلية، فليس سهلاً عليه مراقبة الازدهار المسيحي وحكم المسيحيين الأقوياء في السلطة، وهو في الأساس لم يستوعب فكرة وصول عون الى بعبدا فهو بلع الموسى وأيد ترشيح ميشال عون على مضض، ولا يهضم جنبلاط التفاهم بين معراب والرابية وان كان يرتاح الى النواب المسيحيين ذاتهم الى جانبه وخصوصاً النائب جورج عدوان وحيث ان القوات اليوم تغرد في فضاء المختارة والمسافة بين معراب والمختارة تكاد تكون أقرب منها الى بعبدا.
جل ما يريده وليد جنبلاط اليوم وفق الاوساط هو الانتقال الآمن لوريثه السياسي فلا يكون مضطراً لان يخوض معارك قاسية في الجبل، وليس سراً ان جنبلاط «يتنقز» دائماً ويحسب حساباً لباسيل في عرينه في الجبل لكنه مجبر على التموضع الهادىء في مواجهته بدون ان يكون بالضرورة الى جانبه.