في خضم الصراع الداخلي على التعيينات، والصلاحيات، والموازنة، وفيما انتهت جلسة «غسل القلوب» بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل الى اعادة «الروح» الى التسوية الرئاسية، ما زاد من «توجسات» «المختارة» «ومعراب»، حمل رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الى «بيت الوسط» معلومات عن خطر اندلاع حرب اميركية ايرانية بدا متاكدا من وقوعها، وذلك على وقع التحذير من ملفي النزوح السوري والتوطين الفلسطيني «كقنابل» «معدة» للتفجير على الساحة اللبنانية. وذلك في غياب اي حلول واقعية توحي بامكانية «تعطيلها».فهل هذه المخاطر جدية ؟
وفقا لاوساط مطلعة، لم يحمل جعجع الى الحريري فقط شكواه من محاولة باسيل للاستئثار بالتعيينات المسيحية… بل غاص عميقا في الحديث عن مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة الاميركية وايران، ولفتت تلك المصادر الى ان معلومات «الحكيم» ليست تحليلا انما معلومات مستقاة من دول خليجية استثمرت مليارات الدولارات لدفع واشنطن إلى الدخول بصراع عسكري مع طهران. وخلال استعراض جعجع للمعطيات امام رئيس الحكومة قال له «عليك ان تعرف إنهم مصممون للغاية على عدم خروج الايرانيين من المازق الراهن بسلام وعلينا ان نصدق في لبنان بان السيناريو العسكري جدي للغاية وهناك من يعمل عليه «ليل نهار» في الادارة الاميركية وسيحصل ذلك عاجلا وليس آجلا على الرغم من تردد الرئيس دونالد ترامب الواضح في الدخول في مغامرة عسكرية، لكنه بشكل او بآخر سيجد نفسه مضطرا للدخول في مواجهة ستكون ضرورية لتحريك المفاوضات السياسية من المكان الذي يسمح للاميركيين بفرض شروطهم…»
وبحسب تلك الاوساط، تحدث جعجع عن تجاوز الايرانيين للخطوط الحمراء الاميركية على نحو شكل «مفاجأة» للاميركيين، فعدد من المسؤولين العرب كانوا قد حذروا الادارة الاميركية من احتمال قيام الحرس الثوري الايراني من جعل مضيق هرمز منطقة غير «ملائمة» او خطرة للامداد النفطي العالمي، وكان الاميركيين يرون ان الفكرة غير قابلة للتطبيق لان الايرانيين ليسوا «مجانين»، بحسب تعبير مسؤول اميركي كبير في الخارجية، لكن الاحداث الاخيرة شكلت نوعاً من الصدمة للفريق الداعي لخفض سقف التوتر وغير الراغب في اندلاع حرب، فلدى ادارة ترامب قناعة راسخة بان الايرانيين مسؤولين على نحو مباشر عن الهجمات في مضيق هرمز، وهم بدأوا عمليا تنفيذ عملية اغلاق ممنهجة لمنع قطع إمدادات النفط الإيراني، وما ابلغه الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف للاوروبيين، بان إيران لن تسمح بتصدير النفط من الخليج الفارسي اذا ما منعت واشنطن تصدير النفط الايراني، بات امرا واقعا الان… وبات الحرس الثوري يملك «اليد العليا» في تلك المنطقة، ولن يسمح الاميركيون بذلك.
ووفقا «لرواية» جعجع، فان المفاجىء بالنسبة الى الاميركيين، ان الايرانيين لم يكتفوا، وللمرة الاولى، بالايعاز الى «وكلائهم» في المنطقة لتنفيذ هجمات غامضة، كما حصل في العراق واليمن، بل دخلوا الى «الحلبة» على نحو مباشر في تحد غير مسبوق للادارة الاميركية، وما يحصل في واشطن الان هو قراءة لمدلولات هذا الحدث، فهل هو مجرد «تهويل» للضغط لمنع استكمال العقوبات الاميركية ؟ ام استدراج «لمصيدة» يحاول الاميركيون اكتشاف ابعادها؟
وفي هذا السياق، لفت جعجع الى ان الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية، وليس تقديرات بأن أي حرب على طهران لن تكون محصورة في الخليج، وهذا ما يجعل تهديدات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله باشعال المنطقة امر جدي للغاية، وهنا طلب جعجع تدخلا مباشراً من رئيس الحكومة سعد الحريري باعتباره ركنا اساسيا من التسوية مع الرئيس ميشال عون لاجراء تواصل جدي وفاعل مع حزب الله لعدم «توريط» لبنان في اي حرب مقبلة في المنطقة…!
اما الملف الثاني الذي لا يقل خطورة فيتمثل بملف النزوح السوري حيث اظهرت الساعات الخمس بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير جبران باسيل ان المقاربة حيال هذا الملف لا تزال متباعدة لجهة اصرار الاخير على ضرورة تجاوز المجتمع الدولي والاندفاع اكثر باتجاه التواصل مع الدولة السورية، وبين اصرار الاول على عدم الصدام مع الاجندة الاقليمية والدولية المعادية للنظام السوري وانتظار آليات الامم المتحدة في هذا الشأن، الا اذا كان لدى موسكو خطة متكاملة لايجاد مخارج منطقية ومقبولة تسمح لهؤلاء بالعودة الى بلادهم بضمانة روسية مالية وامنية، حيث لا يمكن للبنان تحمل كلا الامرين…
وفي هذا الاطار، تشيراوساط مطلعة على محادثات الوفد الروسي في بيروت انه لم يقدم اي جديد في ملف النازحين، والافكار قدمها الجانب اللبناني عبر وزير الخارجية الذي اقترح اقامة مؤتمر في لبنان للبحث بكيفية اعادتهم الى بلدهم، كجزء من خطة متكاملة اعدها وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، وقد دعا باسيل الروس الى لعب دور محوري في هذا الاطار، لان الاميركيين والاوروبيين غير مهتمين بالملف ويعملون على توظيفه سياسيا… لكن الجانب الروسي لم يقدم اي خطوات عملية توحي بوجود «خارطة طريق» واضحة لايجاد مخرج ملائم لهذه المعضلة في غياب التمويل اللازم والتفاهم السياسي الدولي حيال هذه الخطوة… مع العلم، ان الوفد الروسي شدد امام كل من التقاهم في بيروت على ضرورة تفعيل الاتصالات مع النظام في دمشق لمحاولة ايجاد مخارج «ثنائية» لحل المشاكل العالقة لالاف النازحين المستعدين للعودة «بشروط» يمكن التفاهم عليها، لكن بعض من التقاهم وخصوصا رئيس الحكومة لم يبد اي حماسة للقيام بهذه الخطوة، وهو ما يجعل زيارة الوفد «حركة لا بركة» على صعيد النازحين، فيما يأمل الروس في استثمار اوسع في لبنان واستخدامه كمنصة لاعادة اعمار سوريا… ويبدو ان اي نتائج لن تبصر النور قريبا وسيكون مؤتمر آستانة الشهر المقبل، مؤشرا على كيفية مقاربة هذا الملف في الاسابيع والاشهر المقبلة، وقد يكون المجتمع الدولي الان مهتما اكثر بملف استثمار النفط شمالا وجنوبا…
ويبقى الملف الثالث الذي لا يقل سخونة عما سبقه، ويرتبط بالاجراءات الاميركية العملانية لتمرير «صفقة القرن» المزمع الاعلان عن شقها السياسي في الخريف المقبل، وفي هذا السياق، اشارت اوساط سياسية مطلعة الى ان الاميركيين المتفهمين على «مضض» لغياب لبنان عن مؤتمر البحرين، ابلغوا بعض الاصدقاء في بيروت ان هذا الغياب لن يحيد الساحة اللبنانية عن المترتبات والمتوجبات المفترض ان «يدفعها» لبنان في سياق خطة البيت الابيض لاقفال ملف الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، وعلم في هذا السياق ان الجزء الاساسي من «الطبخة» التي يتم الاعداد لها لالغاء حق العودة للفلسطينيين وتوطينهم في اماكن اللجوء، ستكون من خلال التوافق مع دول عربية رئيسية على الغاء وكالة «الاونروا» وتقديم مساعدات مالية للدول المستضيفة كي تصبح العلاقة مباشرة بين الطرفين، وهذا يجعل تلك الدول مسؤولة مباشرة عن هؤلاء بما يلغي عنهم شيئا فشيئا صفة اللاجئين…وهنا مكمن «الخبث» الاميركي الذي يريد تمرير التوطين «بسلاسة»…
هذه الملفات الداهمة، تشكل خطرا حقيقيا، لكنها ليست «قضاء او قدر» بحسب اوساط نيابية بارزة، ترى ان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع يبالغ في تقدير القدرة الاميركية على التورط في حرب جديدة في الشرق الاوسط، وان كان محقا في نوايا البعض بشن عدوان على طهران، لكن النتائج لن تكون ابدا في صالح المحور الذي يستسهل الدخول في مغامرة جديدة، اما ماذا سيفعل حزب الله فهذا يبقى دون اجوبة واضحة وتقدير الموقف سيكون في حينها، مع العلم ان الحزب جاهز لكافة الاحتمالات.أما مشكلة النزوح فستبقى عالقة مرحليا لكن لا خطر جدي ازاء بقاء السوريين في لبنان، وفي الوقت المناسب وببعض التعديل في الموقف الاقليمي واللبناني ازاء النظام يمكن ان توضع المخارج المتدرجة لعودة هؤلاء. وتبقى «قنبلة» التوطين جاثمة على «صدر» اللبنانيين الذين سيرفضون مع الفلسطينيين ما يحاك ضدهم، لكن سيبقى هؤلاء في لبنان.