IMLebanon

لماذا «صعد» نصرالله ضدّ بعض الخليج… وما هي استراتيجية «النفس الطويل»؟

 

ثمة اهتمام غربي وخصوصا اميركي لمعرفة كيف تنوي الجمهورية الاسلامية الايرانية الرد على العقوبات الاميركية الجديدة التي ستبدأ في شهر ايار تحت عنوان «تصفير النفط» الايراني، وجاءت تصريحات المرشد الاعلى السيد علي خامنئي التي هدد من خلالها برد دون الافصاح عن ماهيته، لتزيد الامور غموضا، بعد ساعات على خطاب للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، انتقد خلاله «البلطجة» الاميركية، والدعم السعودي -الخليجي الذي يأخذ المنطقة الى حالة من عدم الاستقرار، وجاء خلو حديث نصرالله عن «التهديد» و«الوعيد» بالرد على العقوبات التي ستشتد ايضا على حزب الله، لتزيد الامور تعقيدا، خصوصا انه كان في السابق يعطي مؤشرات و«تلميحات»، كان الكثيرون يعولون عليها لتقويم المرحلة المقبلة،»والتأسيس» عليها لكي «يبنى على الشيء مقتضاه»… فما الذي تغير؟ فهل «الغموض» دليل «ضعف» وغياب الحلول لمواجهة التحديات الاقتصادية المتصاعدة، ام انه جزء من «ادوات» المعركة التي ستحمل معها الكثير من «المفاجآت» غير المتوقعة؟ ويبقى السؤال ايضا عن اسباب عودة السيد نصرالله الى التصعيد الكلامي ضد ابوظبي والرياض؟

 

وفقا لاوساط مطلعة على هذا الملف، بدأ الامر مع اتخاذ حزب الله اجراءات استباقية لمواجهة حملة الضغوط المالية الاميركية المرتقبة، وتحت عنوان «التقشف» و«حسن الادارة والتدبير» أعاد الحزب هيكلة «مصاريفه» بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الراهنة، ولمواجهة مراحل قد تكون اشد صعوبة، تم اتخاذ سلسلة من الخطوات التنظيمية والادارية التي انتهت الى «ترشيق» الموازنات وتوزيعها وفق الحاجة على القطاعات والدوائر التنظيمية التي تم دمج بعضها، وغيرها من الخطوات التنفيذية…هذا ما بات يعرفه الجميع، كما تحدث عن بعض هذه الاجراءات السيد نصرالله في «جلسات داخلية»، واطلالات علنية… لكن الملف اتخذ خلال الايام القليلة الماضية منحى جديدا مع «تنافس» مراسلي الصحف الاميركية في بيروت لمحاولة الحصول على معلومات دقيقة حيال القطاعات «المتضررة» في الحزب، وحجم «تقليص» الموازنات، ومدى تاثر القطاع الصحي والعسكري على نحو خاص بهذه الاجراءات…وبحسب تلك الاوساط ترافقت هذه «الهجمة» الاعلامية مع سعي حثيث تقوم به السفارة الاميركية لجمع المزيد من المعلومات من داخل «البيئة» الشيعية، ويتم «رصد» دقيق لتحرك بعض الشخصيات في الجنوب، والبقاع، والضاحية الجنوبية، تقوم بعملية «مسح» اجتماعي لتقويم التاثيرات المباشرة والجانبية على «بيئة» المقاومة…

 

وتشير المعلومات، الى ان المعضلة الرئيسية التي واجهت «اصدقاء» الولايات المتحدة في بيروت هي غياب الاجوبة المرتبطة «بالخطوة» المقبلة لحزب الله، هل سيبقى ملتزما خيار الاجراءات الدفاعية؟ ما الذي يملكه الحزب من خيارات للرد؟ كيف؟ واين؟ وهل ستبقى الساحة اللبنانية خارج اطار «الكباش»؟ ام انها جزء من «استراتيجية» المواجهة المقبلة، باعتبار انها «ملعب» حزب الله الرئيسي وهو الطرف الاقوى فيها؟ هذه الاسئلة ليست افتراضية، بل جزء مما يمكن اعتباره «قائمة» بالاسئلة المرسلة من الخارجية الاميركية الى السفارة في بيروت، ويعمل «الاصدقاء» على محاولة توفير الاجابات عنها، ويمكن التاكيد ان «حارة حريك» في اجوائها…

 

وهو ما يؤكد على نحو غير مسبوق ان ما تقوم به الادارة الاميركية ليس مجرد امر «مزاجي» مرتبط «بعقلية» خاصة يعمل من خلالها الرئيس دونالد ترامب، وانما هي جزء من عمل منسق مع اسرائيل التي تملك باعا طويلا على الساحة اللبنانية، ويمكن القول ان «السي اي ايه» تعول كثيرا على خبرة «الموساد» الطويلة في الصراع مع حزب الله، والحديث هنا ليس مجرد تخمينات، وانما عن رصد متجدد «لبصمات» الاستخبارات الاسرائيلية بدأت تتحرك منذ اسابيع على الارض، في سياق تعاون غير مسبوق مع اجهزة استخبارات خليجية، ومجموعات فلسطينية مرتبطة بالمسؤول الفتحاوي السابق محمد دحلان، وهذا التعاون يدور راهنا على فكرة اساسية عنوانها البحث عن «الاجوبة» لدعم خطة «تجويع» حزب الله «وافقاره»، وثمة اهتمام واضح لدى مجموعات «محترفة» لرصد الخط المعتمد لتوفير الاموال من طهران الى بيروت، فضلا عن بحث حثيث على ما يعتبره الاميركيون خطط حزب الله للالتفاف على العقوبات…

 

هذا الدخول «الفج» للاستخبارات الخليجية على وقع «مطاردة» حزب الله، يشكل جزءا من «جبل الجليد» الذي دفع السيد نصرالله الى تجديد التحذير من الدور «التخريبي» الذي تلعبه الرياض وابوظبي، والامر لا يقف عند هذا الحد، ولا ينحصر في الجغرافيا اللبنانية، وباتت المعلومات مؤكدة، بحسب اوساط مطلعة، ان هاتين الدولتين تنسقان على نحو كبير «لملاحقة» المتمولين الشيعة وغيرهم من المتعاطفين مع الحزب في الخليج، وافريقيا، واميركا الجنوبية، وثمة تبادل للمعلومات على ارفع مستوى في اطار اختراق الجاليات اللبنانية في تلك البلدان، وهناك معطيات ملموسة حيال عدد من «المكائد» «والدسائس» التي زرعت في طريق بعض هؤلاء للايقاع بهم، وحتى تجنيدهم ضد حزب الله..

 

وبحسب تلك الاوساط لم تكن «المواجهة» بهذه الحدة، والتعاون بهذه «الوقاحة»، طوال اعوام الصراع، وفي السياق نفسه، لم تتوان القيادة السعودية على ادراج حزب الله على جدول اعمال المباحثات مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي الذي زار الرياض قبل ايام، وكان واضحا من خلال المقاربات السعودية ان المملكة تستشعر «خطورة» دور الحزب في بلاد الرافدين، نتيجة العلاقة المتينة التي نسجها مع القيادات العراقية المختلفة، وخصوصا تاثيره الفاعل على «الحشد الشعبي»، ولان السعوديين يدركون «الحساسية» التاريخية المفرطة القائمة بين العراقيين والايرانيين، كان التركيز خلال اللقاءات على ضرورة «كف» يد الحزب وتقليل فعاليته في العراق، باعتباره الخطر الاكبر بالنسبة للملكة التي تعتقد ان الحزب يملك «مفاتيح» كثيرة في بغداد، ويلعب دورا مركزيا في تمتين العلاقات الايرانية العراقية…!

 

وازاء هذه المعطيات، لم تستغرب تلك الاوسط تصعيد السيد نصرالله ضد الامارات والسعودية، بل ترى انه اكثر هدوءا مما يجب، لكنه في ذلك يراعي بعض «الحساسيات» اللبنانية، ولا يرغب في «تخريب» التسويات الداخلية، على الرغم من «كسر» تلك الدول كافة «الخطوط الحمراء» في المواجهة الاميركية المفتوحة، اما «الغموض» في اشكال الرد، فليس مردها الى ضعف، او غياب للخيارات، وانما هي جزء من «استراتيجية» «النفس الطويل» بدا تنفيذها وهي تقوم على التدرج في الردود بين قوى محور المقاومة وليس من قبل حزب الله وحده، وهي خطة تصاعدية تواكب الحملة الخارجية، والباحثون عن الاجوبة حول بنودها ومحاورها لن يحصلوا عليها، وانما ستكون الردود في الاماكن التي «توجع» كل المتورطين في الحرب الراهنة، والايام والاسابيع المقبلة ستكون كفيلة باماطة اللثام عن هذه «المفآجئات» التي تم «التصديق» عليها بين الاطراف المعنية…