خلال معركة استعادة الجيش السوري لمنطقة بيت جن، واكبت تقارير استخباراتية غربية هذه المعركة انطلاقاً من زوايتين أساسيّتين، أوّلهما ما زعمته من معلومات لديها عن أنّ القوة الضاربة المهاجمة الأساسية كانت من «حزب الله»، والثانية أنّه بخروج المعارضة من بيت جن تُصبح كامل الحدود السورية مع لبنان في عهدة الدولة السورية، ما يؤسِّس لإرساء وضع قانوني سياسي على هذه الحدود يُعيد الأمور فوقها الى ما كانت عليه قبل العام 2011.
بحسب معلومات موثوقة ومؤكدة لـ«الجمهورية»، فإنّ الجيش السوري دخل منطقة بيت جن وحده ولم يشاركه في هجومه على هذه المنطقة أيّ فصيل من «القوى الحليفة» او «الرديفة» للجيش السوري كما يسميها إعلام النظام السوري.
وتؤكد مصادر كل من دمشق وحارة حريك، أنه على عكس ما زعمته التقارير الغربية الاستخباراتية، فإنّ «حزب الله» لم يدخل مع الجيش السوري الى «منطقة المثلث الحدودي السوري – اللبناني – الفلسطيني المحتل» في بيت جن المقابلة لمنطقة شبعا اللبنانية، والتي تبعد كيلومترات قليلة عن حدود الهدنة مع الجولان المحتل.
وضمن إطار هذا النفي من دمشق والحزب، فإنّ معركة الجيش السوري في بيت جن، تعتبر الأكثر إيحاءً لجهة أنها تسلّط الضوء على أنّ الدولة السورية اتخذت قراراً مدعوماً من حلفائها بأن تتم عملية استعادتها لحدودها مع الجولان المحتل، على نحوٍ يُعيد الوضع الاستراتيجي والميداني والسياسي في تلك المنطقة الى ما كان عليه حالها قبل أحداث العام 2011، ما يطير بالتالي رسالة إلى المجتمع الدولي بأنّ دمشق ليست في وارد إدخال أيّ تغييرات استراتيجية جديدة على منطقة حدودها مع الجولان، كمثال تمركز قوات غير نظامية وغير سورية فيها الى جانب الجيش السوري.
ويؤمّن تطبيق هذا القرار من وجهة نظر مصادر قريبة من دمشق أهدافاً حيوية عدة، بينها تأكيد سيادة الدولة السورية غير القابلة للطعن الدولي فيها على جانبي حدودها الإقليمية، خصوصاً مع المنطقة السورية التي تحتلّها اسرائيل.
وأيضاً يفيد هذا الامر في قطع الطريق على محاولات تل أبيب إثارة حفيظة الإعتراض الدولي على عودة الجيش السوري الى حدود الهدنة في الجولان، بدعوة أنّ إيران تتسرّب من خلاله لنشر نفوذها العسكري في تلك المنطقة لزيادة وزنها في الصراع العربي الاسرائيلي.
وبين هذه الأهداف ايضاً، أنّ إمساك الجيش السوري وحده بمنطقة حدوده مع الجولان المحتل، يؤمّن للنظام السوري العودة الى دوره السابق كعامل فاعل وممثّل لمحوره الاقليمي في صلب معادلة قرار السلم والحرب مع اسرائيل في المنطقة.
وفي التفاصيل المتصلة بخفايا هذا الجانب من معركة بيت جن، يقول متابعون قريبون للحزب، إنّ عدم حضور «حزب الله» العسكري في معركة بيت جن، لا يعبّر، كما تشيع بعض الجهات، عن استجابة دمشق لمطلب تل أبيب بابتعاد ايران وكل تعبيراتها العسكرية مسافة 40 كليومتراً عن حدود الجولان المحتل، بل يجب النظر الى هذا الأمر من منظار آخر على صلة بالمفاهيم الإستراتيجية المحددة لنوعية وجود «حزب الله» في سوريا ومستقبله، وهي مفاهيم يمكن قراءتها ضمن التحديدات الأساسية الآتية:
أولاً، إنّ «حزب الله»، بصورة عامة لم يكن بعيداً عن إنجاز معركة بيت جن، حيث كان له فيها مشاركة على مستوى التحضيرات اللوجستية والتخطيطيّة لها، ولكنّه لم يشارك مع الجيش السوري في تقدّم الأخير الميداني للسيطرة على هذه المنطقة، وذلك ضمن تفاهم مسبق يأخذ في الاعتبار مراعاة حساسيات قد تواجه رغبة الحكومة السورية بعقد مصالحة بين النظام وأبناء هذه المنطقة تعقب خروج مسلّحي بيت جن منها، خصوصاً أنّ هذه الحساسيات في منطقة بيت جن لها تتمّة وتواصل ديموغرافي مذهبي مع البيئة اللبنانية المقابلة لها في منطقة شبعا.
ثانياً، وهو معطى يتّصل بمستوى أبعد وذي سمة استراتيجية، ومفاده – ودائماً بحسب القائلين به – انّ عدم مشاركة «الحزب» العسكرية في معركة بيت جن، يقدّم قراءة لرؤيته ورؤية دمشق لحضوره العسكري الحالي في سوريا ولمستقبل هذا الحضور.
وبحسب أصحاب هذه القراءة فإنّ «حزب الله» يتواجد في سوريا ضمن محدّدين إثنين، الأول يتعلق بدخوله لمشاركة النظام في الحرب ضدّ الإرهاب ومعارضيه من الفصائل المسلحة.
وهذا مسار موقّت، بدأ منذ العام 2013 مع إعلان الحزب دخوله العسكري الى سوريا، وسوف ينتهي هذا النوع من الوجود العسكري المباشر للحزب مع القضاء على الارهاب في سوريا وانتهاء النظام من معركة الدفاع عن وجوده في وجه المعارضة العسكرية التي تواجهه.
أما المحدّد الثاني فيتعلق بمرحلة وجود الحزب في سوريا خلال مرحلة ما قبل العام 2011، وهو وجود له تحديداته الإستراتيجية وضوابطه مع الدولة السورية المختلفة عن ضوابط الوجود الحالي. وسوف يستمرّ هذا الوجود، بنسخته السابقة للعام 2013، وذلك بعد عودة الحزب من معركته الراهنة في سوريا التي بدأها الى جانب النظام عام 2013.
ثالثاً، عدم مشاركة «حزب الله» في معركة بيت جن، بحسب وجهة نظر مقربين من الحزب تدخل ضمن ما تكلم عنه السيد حسن نصر الله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة عن تطوير يطرأ بحكم ظروف معينة على قواعد الإشتباك داخل سوريا ومع اسرائيل، وليس لها صلة باستمرار ثبات
الإستراتيجيات العليا للمحور الذي يضم إيران و»الحزب» ودمشق، وبدرجة تالية، وضمن مجالات محددة، روسيا. غير أنّ مصادر تذهب أبعد في قراءة مشهد معركة بيت جن، حيث تعتبر أنها تقدّم نموذجاً مبكراً لشكل وجود «حزب الله» في سوريا في مرحلة ما بعد انتهاء الازمة السورية، وذلك لجهة أنّه سيعتمد ذات النسخة السياسية والعسكرية التي كان عليها شكل العلاقة السورية مع «حزب الله» قبل أحداث العام 2011.