في المهرجان الذي احياه رئىس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط بمناسبة مرور اربعين عاماً على اغتيال والده الراحل كمال جنبلاط نسف «ابو تيمور» كل التوقعات، حيث راهن البعض على ان المناسبة ستكون منبراً لاطلاق الزعيم الدرزي الرصاص على العهد العوني والتصعيد في وجهه الى اعلى السقوف الى حد توقع فيه الضاربون في الغيب السياسي ان يعلن جنبلاط سحب وزيريه من الحكومة واستقالة نوابه من المجلس النيابي على خلفية رفضه لقانون انتخابي يعتمد على النسبية، الا ان واقع المناسبة جاء مغايراً «للمبصرين» وفق الاوساط المواكبة لايقاع المختارة، حيث خلا خطابه من اية غمزة سياسية سواء على الصعيد المحلي او الاقليمي فجعل وجهته فلسطين القضية المركزية التي دخلت النسيان في الذاكرة العربية الغارقة في وحول سوريا والعراق واليمن الذي كان ذات مرة بلاد العرب السعيدة.
وتضيف الاوساط ان جنبلاط الذي استغل المناسبة لنقل كوفية الزعامة الدرزية الى نجله تيمور طالباً منه اشهارها عالياً نحو فلسطين، مستحضراً مسيرة والده الراحل ونضاله مع رفاقه في ثورة 1958 وصولاً الى وراثته عبر «عباءة ملطخة بالدم» في حروب العبث، بدا في كلمته انه تصالح مع ذاته ومع الآخرين، معلناً ان لا شيء يوازي على الاطلاق الحوار والمصالحة التي جمعت «العمامة البيضاء» «بالعمامة المقدسة» للبطريرك السابق مار نصرالله بطرس صفير، داعياً بلغة شعرية للحفاظ عليها حيث ردد في اكثر من فقرة في خطاب جملة «ادفنوا موتاكم وانهضوا» لان «الحياة للاقوياء في نفوسهم» داعياً بذلك لدفن الماضي الاسود وما حصل في الجبل اثر اغتيال والده على يد المخابرات السورية وفق اتهامه المعروف، الا ان اللافت ان جنبلاط تناسى ذلك علماً أن المناسبة مناسبة جريمة كبيرة ارتكبت بحق وريث الدم.
وتشير الاوساط الى ان المناسبة تركت الكثير من علامات الاستفهام من خلال بعض الوقائع الميدانية الى حد انها كانت فلسطينية الهوى والنشيد والكوفية دخلت من كل ما يشير الى انها مناسبة وطنية فنشيد «موطني» هو النشيد الوطني الفلسطيني فالامَ رمى جنبلاط بذلك ولماذا لم يعزف النشيد الوطني اللبناني وما هي هواجسه من خلال توصية نجله تيمور بان «يحضن شقيقه اصلان بيمينه وعناق شقيقته داليا بيساره»، ولماذا تعمد العودة الى زمن الثورة الفلسطينية هل هو الحنين الى الماضي كون الحاضر اسود والمستقبل مجهول، ولماذا تذكر فلسطين فجأة في وقت يتم فيه تقسيم المنطقة من ادناها الى اقصاها، وما هو الهدف من عدم ملامسته او مقاربته للملفات السياسية على صعيد الساحة المحلية او الاقليمية والدولية وهو الشغوف بمعرفة التفاصيل عبر قنواته الكثيرة وشبكة صداقاته التي لا تبدأ مع جيفري فيلتمان ولا تنتهي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف.
وتقول الاوساط نفسها ان تجاهل جنبلاط لكافة المشاكل الداخلية هدف من خلاله تمهيد الطريق امام وريثه على قاعدة «صفر مشاكل مع احد» كون حركة جنبلاط خلال مسيرته السياسية الصاخبة ولدت لديه الكثير من الخصومات وحتى الاعداء، وهو يريد ان يورث تيمور صفحة بيضاء مع الجميع وليس الاخصام، وقد مهد لذلك انطلاقاً من المصالحة التاريخية في الجبل وصولاً الى ترميمه كنيسة «سيدة الدر» في المختارة، واعادة بناء مسجد الامير شكيب ارسلان حيث شكل الحدثان مناسبتين وطنيتين جامعتين في مرحلة بلغ فيه الاقتتال المذهبي في العراق وسوريا حداً يفوق التصور، وان تركيزه على فلسطين وتحيته للمقاومين اياً كانوا رسالة الى من يعنيهم الامر وفي طليعتهم «حزب الله».
ويبقى السؤال: لماذا لم يلقِ تيمور كلمة كون المناسبة مناسبة انطلاقة لزعامته الفتية كما يقتضي واقع الحال، وهل لا يزال جنبلاط يفكّر في الانتقال الى «النورماندي» في فرنسا ليخلو لكتابة مذكراته، واياً كان الجواب سيبقى الزعيم الدرزي يلعب دور المرشد الروحي لخطى وريثه المؤتمن على الزعامة الجنبلاطية.