قبل توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، كان الاعتقاد السائد أنه بعد التوقيع ستكون هناك فرصة كبيرة ومجال مفتوح للحوار الدولي مع إيران حول حلحلة ملفات المنطقة المفتوحة. أما الآن فقد مضت أشهر على التوقيع وعلى بدء تنفيذ الاتفاق في بداية هذه السنة، ولم يحصل بعد الحوار المنتظر، وبقيت الملفات عالقة، والأطراف تدور في حلقة مفرغة.
وتفيد مصادر ديبلوماسية أن الحوار مع إيران سابقاً كان انحصر بالبرنامج النووي فقط، ما عدا إطلاق البحارة الأميركيين خلال مرحلة التفاوض. ولم يكن هناك أي بحث أو تفاوض في مشكلات المنطقة، أثناء ذلك، كما لم يُفتح حوار جدي حول المنطقة بعد إنجاز الاتفاق. فقط كانت هناك مطالب غربية من إيران بأن تسلك بصورة إيجابية في ما خصّ الملفات في الشرق الأوسط، وأن توقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول. لكن إيران لم تستجب، ولعل الملف الإيراني سيشكّل أحد أبرز الملفات التي ستكون على طاولة الإدارة الأميركية الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل. ومسألة «كيف ستتعاطى الولايات المتحدة مع إيران» جوهرية لدى الحكم المقبل، ويرتقب أن يتم وضع خطة حول ذلك.
وتؤكد المصادر أن أسباباً عدّة تقف وراء عدم بدء الحوار الجدي حول المنطقة، لعل في مقدمها، أولاً، أن لا ظروف حوار من جانب كل الأطراف فيها، وأن أجواء التشنّج في العلاقات والتوتر يسودان الوضع، وأن سوء العلاقات الخليجية الإيرانية لا يجعل الحوار سهلاً. وأي حوار دولي مع إيران، لا يمكنه أن يتم من دون موافقة السعودية. الآن عملياً لا حوار دولياً مباشراً مع إيران حول حلحلة العقد في المنطقة، فقط إيران تشارك في اجتماعات المجموعة الدولية للحل في سوريا، وهذا هو الجديد بعد توقيع الاتفاق. إنما هي تشارك وتستمر في التمسك بمواقفها.
ثانياً، لم يظهر فعلياً للغرب، أن إيران على استعداد للتجاوب مع الطلبات الغربية إليها بالتعاون والإيجابية. بل على العكس، فقد أبدت حرصاً واضحاً على استمرارها في سياستها الإقليمية وتوسيع نفوذها وتعزيزه، وهو أيضاً كان محور الرسائل السياسية التي أطلقها مسؤولوها في كل الاتجاهات حول استمرارها في لعب دورها، وعدم استعدادها للتغيير على الرغم من توقيع الاتفاق النووي. كما أن حلفاءها من الأحزاب والتنظيمات في دول المنطقة اعتمدوا هذا الخطاب، ولم يسهلوا حيث هم ولم يعدلوا في مواقفهم. ثم إن إيران عمدت إلى إطلاق التجارب الصاروخية، وعلى الرغم من الجدلية داخل مجلس الأمن حول التزامها القرارات الدولية في ذلك، فإن الأمر أضفى مناخاً من التشنج.
ثالثاً، إن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان طيلة الأشهر القليلة الأخيرة، والتي تلت بدء تنفيذ «النووي»، يعمل لاحتواء هذا الاتفاق، الذي أزعج إسرائيل، وأربك العلاقة الأميركية الخليجية، وبالتالي لم يكن المناخ مؤاتياً لاستكمال حوار سياسي بين الإدارة الأميركية وإيران، حول الملفات العالقة.
رابعاً، أدى الدخول الروسي العسكري إلى سوريا، ومشاركة موسكو في الحرب لتثبيت النظام على رجليه، إلى تعقيدات إضافية انعكست على بدء الحوار الغربي الإيراني الذي كان يفترض أن يتم بعد التوقيع على النووي.
بعد تسلّم الإدارة الجديدة، لديها ملفات مهمة، ليس فقط العلاقة مع كل من الخليج وإيران، إنما أيضاً وضع المنطقة ككل، وفي مقدمه الأزمة السورية وسبل التعامل مع روسيا، التي تتدخل في كل المسائل المشتعلة في العالم، فضلاً عن العلاقة مع الحلف الأطلسي. ومن الواضح أن الرئيس أوباما لا يريد القيام بأي فعل جوهري في الشرق الأوسط، إنما يريد تقطيع المرحلة من دون خسائر ومن دون الالتزام بخطوات كبيرة. وبات أكثر قناعة بأن الإرث الذي سيقدّمه للإدارة المقبلة في السياسة الخارجية هو أمران: الاتفاق النووي مع إيران، وافتتاح العلاقات الديبلوماسية والسياسية مع كوبا. وليس هناك من مسائل أخرى تهمه جدياً، والآن لم يعد لديه الوقت لأي اهتمام. وبالنسبة إلى سوريا، فقد اتخذ قراراً منذ البداية بأنه لن يتدخل في أزمتها، وكان يمكن أن تتحقق نتائج على الرغم من عدم تدخله العسكري، لولا التدخل الروسي الذي أنقذ النظام من السقوط الوشيك آنذاك.