IMLebanon

لماذا لم تمُت يا عمران؟

عمران… عمران، لماذا أنتَ صامت؟ لماذا تنظر إلينا هكذا؟ إفتَح عينَك المُطبَقة بالدم الدافئ السائل فوق جفنك، أشِح عينَك الأخرى عن أعينِنا، أنظُر في ذلك الاتّجاه، حرِّك يدَك أو أصابعَ رجليك الصغيرتين، إفعَل أيّ شيء غيرَ النظر في وجوهنا المبَحلِقة بشاشات هواتفنا… لا تَعتب علينا نحن الذين نسينا كم فرحنا على المراجيح وكم تألّمنا في كلّ مرّة وقعنا فيها على ركبتَينا، سامِحنا لأننا نسينا كيف كنّا أولاداً وفجأةً أصبحنا وحوشاً، إنْ لم نقتلك بغارة أو قذيفة أو برميل، قتلناك ببرودة إنسانيتنا وقلّة إخلاقنا وهمجيتِنا وعنصريتنا ونكراننا لبراءة أيام الطفولة.

عمران… لماذا لم تمُت كباقي الأطفال السوريين الذين اعتَدنا رؤيتَهم مطمورين تحت الركام الرمادي؟

عمران… لماذا لم تمُت وتريحنا من نظرتك الصامتة التي حَملت آلافَ الصرخات التي أيقظَت تنميلَنا على الكوارث والفظائع؟

عمران… لماذا لم تَسمح للموت أن يَحملك بعيداً من ويلات حلب، بدلاً من أن تسرقك عدسات المصوّرين وأقلامُ المراسلين لتجعلَ منك مادةً دسمة للوكالات العربية والأجنبية والإعلام المتعطّش إلى المزيد من وجعِك؟

قالوا إنّ عمرَك 5 سنوات، فعرَفنا أنّك من عمر الثورة ومن عمر الأزمة والحرب، عرفنا أنّك ولِدتَ على صوت القنابل، وها أنتَ تكبر بشظاياها وغبارها وروائحها.

قالوا إنّ عمرك 5 سنوات فعرفنا أنّك لا تجيد القراءة والكتابة، ولن تستطيع أن تُدخِل إسمك في محرّك «غوغل» لترى كم أصبحتَ مشهوراً وكم تناقلوا خبرَ نجاتك الأمس واليوم وغداً.

منذ عام بالضبط، منذ عام دفَنت أمواجُ المتوسط إيلان كردي على شواطئ تركيا واكتسَحت صورُ جسدِه الغارق في رمل البحر الصُحفَ والتلفزيونات العالمية، لكنْ هل تظنّ أنّ خلال هذا العام تحرَّكنا لنغيّر شيئاً في ماضيك أو ماضي أطفال سوريا؟ بالطبع لا، لأنّ حاضرَك بالأمس كان مأسويّاً، ومستقبلك سيكون أسوأ طالما أنت تعتمد علينا.

عمران… إذا كنتَ موجوعاً فبالتأكيد سينتهي وجعُك، وإذا كنت مصاباً ستشفى جروحك، وإذا متَّ كانت ستنتهي حياتك… لكنْ تأكّد مِن أنّنا، نحن كما نحن، وكما نصِرّ كلَّ يومٍ أن نبقى، نحن لن ينتهي غباؤنا ولن تنتهي وحشيتُنا وإجرامنا وجشَعُنا، ولن نجد مزبلةً نرمي فيها كمّيات الفضول التي تشتعل في أعينِنا على صوَر الموت والقهر والعذاب والدم، من دون أن نبذل مجهوداً لإعادة عصفور يزقزق في سماء حلب أو وردةً تتفتّح جنبَ أطفالٍ يلعبون على ركام الطرقات.

يِلعَن أبو إنسانيّة يَجتمع فيها آباءٌ على طاولات المفاوضات للاتّفاق على سياسة قتلِ أبناءِ آباءٍ آخرين يتحلّقون من الخوف والرعب حول كرسيّ حمّام.

يلعَن أبو إنسانية تُحلّق طائراتُها وتدور مراوحُ طوّافاتها وتمتلئ فوَّهات بنادقها ومدافعها وهواوينها لتدمّرَ المراجيح والزحليطات وتسرقَ الهواءَ من صدور الأطفال وتقتلَ أحلامَهم المولودة على الوسادات الدافئة.

عمران… نظراتُك علِقت في أذهاننا، وكانت كصدى صوتِ أوتارِ عودٍ حنون في مأتمٍ مهيب، وعلى أكتافك رأينا وَجه يأسِ الحرب في سوريا، ورأينا ظلالَ المزدوجين اللذين فتحَتهما عنجهية البشرية وحيوَنتُها من دون أن يكون هناك أفقٌ لإقفالهما.

عمران، لا تمُت… دعنا نراك مجدّداً بعد عام أو إثنين أو أكثر، نراك تلعب في حديقة عامة أو مدينة ملاهٍ تملأ الأضواءَ الملوّنة فيها ضحكاً وقهقهاتٍ تُعيد إحياءَ الأمل فينا، أملِ البقاء والاستمرار.

أسكتوا الآن، اسكتوا، لأنّ عمران يريد أن ينام، دعوه ينام قبل أن يوقظَه صوت قذيفة أو غبارُ غارة جديدة، دعوه ينام حتى يبقى لديه قوةٌ للبقاءِ مستقيظاً للنظر في أعيننا المرّةَ المقبلة، ولا يغفو أمام العدسات فنظنّه ميتاً.