IMLebanon

لماذا لم تستَقِل «القوات» من الحكومة؟

أبعِدت «القوات اللبنانية» عن الحكم والسلطة لأكثر من 11 عاماً، وحتى بعد الإفراج عن الدكتور سمير جعجع، لم تتقبّل بسهولة المشاركة في السلطة، بل أخذت وقتها في لملمة شعبيتها ورصّ صفوفِها وبناءِ هيكيليةٍ جديدة لاستعادة قوة التنظيم التي ميّزتها عن غالبية الأحزاب فحدّدت أولوياتها ومطالبها. من هنا لم تقبل «القوات» في السنوات الخمس الماضية المشاركة لا في الحكومات السابقة بعدما استفزّتها هيمنة «حزب الله» عليها، ولا في جلسات الحوار التي اعتبرَتها ملهاةً لا تريدها، وصولاً إلى إعلان جعجع في الذكرى السنوية لشهداء المقاومة العام الفائت «ثورة جمهورية كاملة على كلّ شيء اسمه فساد»، مفتخراً بأنّ «القوات وعلى مرّ التاريخ رفضَت المشاركة في سلطة فاسدة وطنياً وسيادياً وأخلاقياً ودفعَت طوعاً ثمن الرفض اضطهاداً وقمعاً وسجناً».

بعد خمس سنوات تعود «القوات» لتشارك في الحكومة بثلاثة وزراء، بعد مساهمتها في إيصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بعدما كانت عارضَته بشدّة، فيما لم يتقبّل بعض أنصارها حتى اليوم ما اعتبروه تنازلاً، أمّا «العقلاء» منهم فاعتبروه تكتيكاً وطنياً، ورأى فيه البعض «تكتيكاً رئاسياً»، لتكون الكلمةُ الأخيرة لـ«ورقة النوايا» التي اعتبرته «للمصلحة المسيحية والوطنية الكبرى».

وعلى مسافة يومين من إحياء «القوات» ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية، يتساءل البعض مِن الذين تفهَّموا أسبابَ مشاركة «القوات» في الحكومة الحالية عن الأسباب التي تُبقيها متمسّكةً فيها، بعدما شهد وزراؤها مقدارَ المحسوبية وهولَ الصفقات والفساد المنظّم، خصوصاً اليوم على وقعِ تحمّلِ هذه الحكومة عار ترحيل الإرهاببين من دون محاكمة، ويسألون لماذا لم تستقل «القوات» من الحكومة بعد؟

عن استقالتها، توضح مصادر قيادية في «القوات»، لـ«الجمهورية» أنّها لن تستقيل «إلّا عندما ترى أنّ الظروف التي أملت مشاركتَها في الحكومة انتفَت ولم يعد باستطاعتها التأثير بالشكل الذي يفترض أن تؤثّر فيه على ملفات عدة، وبالتالي عندما ترى أن لا لزومَ لدورها وحضورها وتأثيرها تخرج من الحكومة»، مؤكّدةً أن «لا أحد يستطيع أن يفرض ذلك على «القوات»، فهي التي تُحدّد من ومتى وكيف، على غرار تحديدها مشاركتَها في الحكومة، وهي ترى بوضوح أنّها نجحت في فرض توازنٍ على مستويين أساسيين:

• السيادي: إذ كان واضحاً من خلال دورها الأساس في إسقاط محاولات التنسيق المستمر مع سوريا، والذي كان ولا يزال فريق «8 آذار» يصرّ عليه. فأسقطت «القوات» 4 محاولات، واحدةً تلوَ الأخرى. فكان نجاحها على هذا المستوى أكبرَ دليل على أنّ «حزب الله» لا يهيمن على الحكومة وفق ما يَعتقد البعض بل هناك توازن سيادي، وهذا التوازن تُرجم في ملفات أساسية أبرزُها قطع الطريق على تعويم النظام السوري من البوّابة اللبنانية.

• مكافحة الفساد: من خلال تطبيق نموذج جديد من ممارسة الشأن العام مبنيّ على قاعدة الشفافية والقوانين المرعية والدستور، ونجَحت «القوات» في فرض توجّهٍ جديد على هذا المستوى، وطيرت صفقة بواخر الكهرباء (ربما إلى حين).

إعتداء إرهابي وليس حرباً

أمّا في ما يخصّ صفقة الجرود، فأشارت المصادر إلى أنّ أيّ فريق سياسي في لبنان لم يتهجّم أو ينتقد بعُنف هذه الصفقة أكثر من سمير جعجع الذي صرّح ثلاث مرّات متتالية في ثلاثة أيام حول هذا الموضوع، منتقداً ومتهجّماً على هذه الصفقة، معتبراً أنّها خطيئة بحقّ لبنان لأنّها هرّبت المسلحين، فيما كان الجيش على بُعد أمتار قليلة من حسمِ المعركة لمصلحته ومصلحة الشعب والدولة اللبنانية، كاشفةً أنّه كان قادراً أيضاً على أسرِهم وانتزاع الاعترافات اللازمة، سواء عن مكان وجود العسكريين، أو أسرار تلك المرحلة، لكن الصفقة التي أبرمها «حزب الله» مع «داعش» بالتعاون مع النظام السوري وتهريبَ الإرهابيّين أدّت إلى طيّ هذه الصفقة بأسرارها وتفاصيلها. ويبدو أنّه من أهداف هذه الصفقة طيُّ هذه المرحلة وكلّ ما تختزنه من معلومات وأسرار».

ولفَتت المصادر إلى أنّ الاقتصاص ومساءلة ومحاسبة هؤلاء المسلحين ضرورةٌ، لأنّهم قتَلوا أسرى حربٍ، خلافاً لِما هو متعارَف عليه، بينما الذي يجري ليس حرباً بل هو اعتداء إرهابي على اللبنانيين، وبالتالي كان الشعب اللبناني ينتظر محاسبة هؤلاء الإرهابيين وذلك في محاولةٍ من «حزب الله» لقطعِ الطريق على الانتصار الذي حقّقه الجيش وسلبَ سيادة الدولة وهيبتها.

ورأت المصادر أنّ «القوات لا تعتقد أنّ ما يُحكى عن أنّ الدولة شريكة هو صحيح، أمّا إذا كانت الدولة تعلم فـ«القوات» غير معنيّة لا مِن قريب ولا من بعيد، وهي سجّلت موقفها واعتراضَها على أيّ صفقة من هذا النوع».

واعتبَرت المصادر أنّ التحقيق من حقّ لبنان واللبنانيين وهو ضرورة، ولكنّ هذا التحقيق يجب أن يبدأ من الفصل الأخير وليس العودة إلى العام 2014 حصراً، أو البدء من لحظة اختطاف العسكريين، لأنّنا اليوم أمام صفقة ونعيش في ظلّ ما حصل، ومَن قام بهذه الصفقة هدفُه طيُّ المرحلة، وبالتالي أيّ تحقيق جدّي ورصين يجب أن يبدأ من الفصل الأخير لأنه كفيل بفضحِ الأمور بعدما استُهدفت صورة الجيش اللبناني والدولة.

وسألت «حزب الله»، لماذا لم يقُم بهذه المعركة عام 2014؟ هل لأنّ الظروف السياسية لم تناسبه، أم أنه يريد دائماً سرقة الأضواء والانتصارات، لا سيّما انتصارات الجيش القوي؟!