طُرحت أخيراً في بعض الاوساط السياسية تساؤلات حول الأسباب الكامنة حول تدشين «حزب الله» حربه على الفساد بفتح ملف الحسابات المالية للدولة تحديداً ومن ضمنها لغز إنفاق مبلغ الـ11 مليار دولار، على الرغم من إدراكه أنّ «اقتحامه» هذه القضية هو تحديداً، قد يستفز الرئيس فؤاد السنيورة وتيار «المستقبل»، مع ما يمكن ان يجرّه ذلك الى تداعيات مذهبية وسياسية.
يضع خصوم «الحزب» خطوته هذه في سياق الانتقام من السنيورة وتصفية الحسابات المتراكمة معه، على قاعدة انّ افتقاره الى الحصانة النيابية وتمايزه احياناً عن الرئيس سعد الحريري قد يسهّلان استهدافه واستفراده في هذا التوقيت بالذات، معتبرين انّ «حزب الله» أعطى من خلال هذه «الدعسة الناقصة» إنطباعاً بأنه يريد ان يستخدم شعار مكافحة الفساد لتحقيق أهداف سياسية وفئوية وليس لحماية المال العام وللوصول الى الاصلاح الحقيقي.
وبالنسبة الى هؤلاء، فانّ «الجُرعات السياسية» الزائدة التي تضمنتها طريقة تعامل «الحزب» مع ملف الحسابات المالية من شأنها ان تحرّف التدقيق في هذا الملف عن وجهته الاصلية ومساره التقني، لينزلق الى متاهات داخلية لا تؤدي الى نتائج إيجابية.
لكن القريبين من «الحزب» يملكون مقاربة مغايرة تماماً للمعركة التي فتحها على «الجبهة المالية»، مستغربين ان يستسهل البعض محاكمة النيات بدل الدفع في اتجاه محاكمة المرتكبين. أما دوافع قرار «الحزب» بأن يضع في طليعة اولوياته مسألة التدقيق والتحقيق في الحسابات المالية للدولة وكشف مكامن الخلل فيها، فيمكن تعدادها وفق العارفين بالآتي:
– إنّ هذا الملف هو مفصلي، بل يشكّل حجر أساس في المسار الاصلاحي المُفترض، لأنّ من دون تصويب تلك الحسابات وتنقيتها وتحديد مكامن الهدر والنزف فيها وصولاً الى تقويم اعوجاجها، لا يمكن المالية العامة ان تنتظم وتستقيم، علماً انّها الرئة التي تتنفس منها الدولة، إذ لا قطع حساب من دون الانتظام المالي، ولا موازنة سليمة من دون قطع الحساب إلاّ عملاً باستثناءات ملتبسة.
– إنّ وزارة المال أنجزت أخيراً ملف إعادة تكوين الحسابات المالية، ما استدعى من «الحزب» في هذه اللحظة تحديداً ان يضيء عليه وان يُطالب مجلس النواب بدرسه والقضاء بالتحقيق فيه.
– انّ مزيداً من التأخير في الدخول الى كهوف تلك الحسابات كان سيهدّد باحتمال سقوط حقائق محورية وبانتفاء القدرة القانونية على المساءلة. ذلك انّ بعض المستندات والوثائق التي يعود تاريخها الى عام 2010 (والمتصلة بالخلل المالي الممتد من عام 2005 حتى 2009) قد تصبح بعد وقت قصير بلا قيمة قانونية بفعل مرور الزمن (10 سنوات)، ما يؤثر سلباً على مسار التحقيق والمحاسبة.
– انّ «حزب الله» اتخذ منذ البداية قراراً بالتركيز على ملفات الفساد والهدر الدسمة التي يتحمّل مسؤوليتها المرتكبون والمستفيدون الكبار اياً تكن انتماءاتهم، وعدم الانزلاق الى تفاصيل جانبية أو جزئيات صغيرة، لأنها ستستنزف كثيراً من الجهد في مقابل مردود اصلاحي متواضع، ولأنّ «الصغار» ليسوا المسؤولين عن الصفقات الكبرى والقرارات الخاطئة التي التهمت المال العام.
– إنّ مبلغ الـ11 مليار دولار هو تفصيل ضمن سياق طويل ومعقّد ولا يجوز إختزال كل ملف الحسابات المالية به، مع تأكيد أهمية كشف كل ملابسات صرف هذا المبلغ الضخم.
ويؤكّد المطلعون على ما يدور في «مطبخ» إعداد الملفات داخل «حزب الله» ان ليس صحيحاً انّ هناك انتقائية سياسية لديه في قضايا الفساد التي يخوض فيها، ولافتين الى أنّ «سفير» السيد حسن نصرالله النائب حسن فضل الله يجزم في مجالسه الخاصة بأنّه مستعد لطرح أي ملف تفوح منه روائح كريهة وأياً يكن المسؤول عنه، إذا توافرت المستندات والوثائق المرتبطة به، كما حصل بالنسبة الى الحسابات المالية.
ويتساءل هؤلاء في معرض نفي استنسابية فتح الملفات: أليس «حزب الله» هو الذي رفع الصوت في داخل مجلس الوزراء ضد بواخر الكهرباء متقاطعاً بذلك مع «القوات اللبنانية» في مواجهة «التيار الوطني الحر»؟ أليس «الحزب» بشخص فضل الله هو من تصدّى لظاهرة التوظيف العشوائي، مع انّ المعنيين بها هم من الحلفاء كما الخصوم؟ أليس «الحزب» هو الذي يقف بقوة الى جانب إنصاف الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية على رغم من ان من يؤخّر إنصافهم هو رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» لاعتبارات تتعلق بالتوازن الطائفي؟
ويشير العارفون، الى انّ «الحزب» مصمم على تجاهل الضجيج المُفتعل ومتابعة ما بدأه، للجم الفساد المتفشي في جسم الدولة، كاشفين انه وضع ملفات عدة على نار قوية، في انتظار التوقيت المناسب ليبوح تباعاً بحقائقها وخفاياها، إضافة الى انّ وزراءه سيكافحون الفساد في وزاراتهم، ونوابه سيدفعون نحو صدور التشريعات الضرورية وتنفيذ القوانين الموجودة وتفعيل الرقابة النيابية وتنشيط آليات المساءلة والمحاسبة، على قاعدة انّ محاربة الفساد هي مسار تراكمي متواصل وليست ضربات موسمية.