سَمِعَ مسؤولون وسياسيّون دويّ تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في شأن إستعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد في نهاية الأمر من أجل حلٍّ سياسي، وكأنها خرقٌ لجدار الصوت السياسي، ولم يسمعوا دويّ قذائف الطائرات الحربية الأميركية التي شنّت نحو ثلاثة آلاف غارة حتى الآن على مواقع «داعش» في كل من سوريا والعراق، مُمهّدة لعمليّات عسكرية إستراتيجية بقيادة الحرس الثوري الإيراني بشكل أساسي، والبشمركة الكردية.
لقد سبقت الأحداث الميدانية حسابات المنظّرين والمنتظرين أن تُحارب الولايات المتحدة عنهم وتُدافع عن مصالحهم وتُحقّق أمنياتهم، خصوصاً أن واشنطن كانت أول من حَملَ شعار تصحيح الخلل في موازين القوى في الشرق الأوسط.
في المشهد العمليّاتي:
1- دخلت قوات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الى العراق لمُحاربة «داعش» ليس دفاعاً عن أمن إيران الإقليمي فقط، وإنما من أجل تعزيز سيطرتها على العراق وتوسيع إطار نفوذها الإقليمي، وامتلاك أوراق القوة على طاولة المفاوضات النوويّة مع الغرب. ونَفَّذَ طيّارون إيرانيون غارات عِدَّة على مَتن مُقاتلات عراقية مُستهدفين «داعِش»، وظهرَ قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني على أرض المعركة في تكريت.
ولم تُمانع الولايات المتحدة بل بالعكس، إعتبرت أن طهران تُلاقي مصالحها الحيوية في محاربة «داعش» ميدانياً. وأبقت على غرفة العمليات الإستخبارية الثلاثية المشتركة في بغداد بينها وبين الإستخبارات العراقية والإيرانية. وأرسلت تِباعاً المخابرات السورية منذ أشهر «أطناناً» من تقاريرها السريّة الى الأميركيّين في بغداد بواسطة المخابرات العراقية.
2- أطاح الحوثيّون مدعومين من طهران بالحكم الحليف للولايات المتحدة في صنعاء، ولم يفعل الأميركيّون شيئاً.
3- دخلت قوات إيرانية الى قلب المعركة في سوريا، وقلَبَت الموازين، وأنقذت الرئيس الأسد ونظامه بعدما فكّت الطوق عن دمشق. ووَصَلت جنوباً الى مشارف جبهة ثانية مع إسرائيل في الجولان.
القوات الإيرانية تتقدّم على كل الجبهات تحت أعين المخابرات الأميركية، التي تتنصّت على كل الإتصالات، وتُراقب كل حركة عسكرية عبر الأقمار الصناعية وطلعات الطائرات التجسّسية بلا طيارين.
طهران هي مَن يُمسك باللعبة في سوريا والعراق، والكلمة كلمتُها، والقرار قرارُها. ولا مفاوضات مِن دونها، لا بل لا مفاوضات إلّا معها ومِن خلالها. وبالتالي لماذا سيُفاوض كيري الأسد، وعلى ماذا؟
لم يَعُد التعاون الأمني والعسكري بين واشنطن وطهران خافياً على كثيرين. كما أن المفاوضات بينهما تسير نحو نهاية سعيدة للطرفين، مع الإشارة الى استعدادات عربيّة للدخول في سباق نووي مع طهران.
إيران تربح، والنتائج ظهرت على الأرض قبل أن يُفكّر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة في تشكيل قوّات عربيّة مشتركة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، وقبل أن «يكفُر» كيري ويُعلن ما أعلنه. إن خلط الأوراق مستمرّ والمفاجآت غير مُستَبعَدَة.