إذا لم يشعروا جميعهم (هذه المرة عن جد: جميعهم يعني جميعهم) بأنّ حال لبنان لم تعد تسمح بــ«تَرَف» البقاء من دون حكومة طبيعية، فهذا يعني أن هناك خللاً بنيوياً في مفهوم المسؤولية الوطنية.
نقول هذا من دون أن ندّعي بأننا في موقع الواعظ أو جاهل حقيقة التركيبة الداخلية في هذه الحقبة المضطربة من تاريخ لبنان والمنطقة ولكن لبنان كان، في مراحله كافة منذ الاستقلال حتى اليوم، يواجه أوضاعاً ضاغطة داخلية وخارجية… ولكن التغلّب عليها لم يكن بالمستحيل… ليس لأنّ الرؤساء كانوا أنصاف آلهة أو ملائكة، ولكن لأنهم كانوا يبادرون.
ونحن ندعو اليوم، الى مبادرة من «شريكي» التأليف والتوقيع رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهورية، تضع حداً لهذا الضرر الكبير اللاحق بلبنان جراء النزف الناجم عن عدم تشكيل الحكومة.
ولكي لا يبقى الكلام في النظرية، نذكّر بالآتي، على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً – في مطلع عهد الرئيس كميل شمعون الذي وصل الى سدة الرئاسة اثر ثورة بيضاء كانت «الجبهة الاشتراكية الوطنية» واجِهتها، وجد خليفة الشيخ بشارة خليل الخوري أول رئيس في عهد الاستقلال نفسه في مدار التجاذب بين أركان تلك الجبهة، وكان بعضهم يريد حكومة برئاسة هذه الشخصية السنية أو تلك (سامي الصلح، صائب سلام، عبد الله اليافي) فذهب (شمعون) الى حيث لا يتوقعون وشكل حكومة من ثلاثة: رئيسها الأمير خالد شهاب والعضوين الآخرين موسى مبارك وسليم حيدر.
ثانياً – الرئيس فؤاد شهاب استهل عهده، بعد أحداث 1958 الدموية، بتشكيل حكومة برئاسة رشيد كرامي الذي أعلن أنه آن الأوان «لقطف ثمار الثورة» وكان لافتاً تعيين المفكر الشاعر الديبلوماسي يوسف السودا (ابن بلدة بكفيا) وزيراً فيها. فقامت «الثورة المضادة» بقيادة حزب الكتائب (ورئيس الحزب الشيخ بيار الجميل ابن بكفيا).. وعادت المتاريس الى الشوارع ما بين شرقية وغربية، ورُميت سيارة يوسف السودا في أحد الوديان الخ… ودماء الأحداث الأليمة لم تكن قد جفّت بعد فلجأ الرئيس شهاب الى حكومة أمر واقع «إنقاذية» فشكل حكومة من أربعة برئاسة كرامي نفسه وعضوية الحاج حسين العويني والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون إده.
ثالثاً – في بداية عهد الرئيس الياس سركيس تفادى الرجل الصراع الدائر وسط أحداث حرب السنتين، وشكل حكومة برئاسة الدكتور سليم الحص أمد الله في عمره، وكانت كلها من خارج نادي رؤساء الوزارة وأيضاً من خارج الانتماءات السياسية، إنما كان أعضاؤها من صلب الوجوه النقيّة النظيفة أمثال: فؤاد بطرس وصلاح سلمان وأمين البزري وفريد روفايل وأسعد رزق وميشال ضومط وإبراهيم شعيتو… وكان هؤلاء جميعاً في المسؤولية والجدية والوطنية و…الاستقلالية.
رابعاً – الرئيس سليمان فرنجية باشر عهده بحكومة مماثلة برئاسة صائب سلام وعضوية نخبة من الوجوه المشرقة (غير السياسية عموماً) أمثال: غسان تويني وهنري إده وصائب جارودي وجميل كبي وحسن مشرفية وخليل إبو حمد وإدوار صوما وإلياس سابا وإميل بيطار ومنير حمدان وجعفر شرف الدين ولاحقاً هنري طربيه (في تعديل وزاري).
فيا فخامة الرئيس ميشال عون،
ويا دولة الرئيس سعد الحريري،
ألم يعد في لبنان هكذا رجال مستقلون وأوادم؟!
ولأننا نعرف الجواب نسألكما: لماذا لا تقدمان؟!