Site icon IMLebanon

لماذا لا تصل النساء إلى مواقع صناعة القرار؟

صحيح أنّ النساء غَزَونَ ميدان العمل الذي لم يعد حكراً على الرجال منذ سنوات طويلة، إلا أنّ مواقعهنّ في هذا الميدان لا زالت ثانوية. فهو الرئيس وهي المرؤوسة.

هذا الواقع سائد في الدول العربية كما في أوروبا وأميركا وأكثر بلدان العالم تطوراً، ولكن بدرجات متفاوتة. على سبيل المثال تؤكد الأرقام أنّ النساء في فرنسا يحظين بفرَص أقلّ من الرجال بثلاثين في المئة في إطار حيازة منصب إداري رفيع، وذلك بالنسبة للمتساوين علمياً.

بالأرقام

أسباب كثيرة تقف وراء بطء تقدّم النساء مهنياً واجتماعياً عبر العصور، أبرزها الصور النمطية الراسخة في أذهان النساء والرجال على حدّ سواء، والتي تصوّر المرأة ضعيفة وخاضعة، أمّا الرجل فقوي وقائد. تستمر هذه الصور النمطية بتهديد وهدم حياة النساء المهنية، وخصوصاً اللواتي يطمحن للوصول الى المراكز المهمة.

تؤكد دراسة حديثة أنّ الموظفين يفضلون أن يكون رجلاً مديراً عليهم، وليس امرأة. شملت هذه الدراسة آلاف الموظفين في 33 بلداً حول العالم، وكشفت أرقاماً لافتة. في فرنسا 67 في المئة من الرجال، و61 في المئة من النساء، لو خُيِّروا لاختاروا أن يحظوا بمدير في العمل بدلاً من مديرة.

الحال أسوأ في اليابان حيث تشير الدراسات إلى أنّ 91 في المئة من الرجال و77 في المئة من النساء يفضلون الرجل مديراً. وأيضاً في اليونان، ماليزيا، هونغ كونغ، سنغافورة… الشعوب لا تأخذ بعين الاعتبار أهمية منح النساء مراكز قيادية.

وحتّى في السويد، لم يصل الميل إلى إدارة النساء حدّ المساواة، فـ 44 في المئة فقط يفضّلون أن تترأسهم امرأة، والأرقام متشابهة بالنسبة للبرازيل، تشيلي، والبرتغال.

أمّا في الهند فيبدو أنّ النظرة أكثر تطوراً، حيث اختار 59 في المئة من النساء اللواتي شملهنّ الإحصاء أن تترأسهنّ مديرة بدل مدير، كما أنّ عدد منتقيات هذا التفضيل يصل إلى 57 في المئة في اسبانيا و55 في المئة في الولايات المتحدة ونيوزيلندا والدانمارك. هذه الأرقام لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار مع وجود عدد محدود من النساء المديرات في العالم.

ما علاقة الصور النمطية؟

يلفت بعض علماء النفس إلى أنّ المدير الجيد بنظر المجتمع، تتوافر فيه صفات السلطة والقيادة ويكون مشاكساً وهجومياً. هذه الصفات يربطها المجتمع بالرجولة، ما يُكبّل النساء ويحدّ من إمكانية وصولهنّ إلى مراكز القيادة، خصوصاً أنّ اللواتي اعتلَيْن المناصب العالية تاريخياً، جرّدهنّ المجتمع من أنوثتهنّ وألبسهنّ صفات يُخصّصها للذكور واتهمهنّ بالخروج عن المألوف، مثلاً: «مفَحّلة»، «إخت الرجال»، «قوية»… وقد يتعرّضن لشتّى أشكال الضغوط العائلية والمهنية. عام 2015 أظهرت دراسة أنّ النساء اللواتي يُظهرن سلطة في العمل، يُعتبرن أقل كفاءة.

فتحدّث المرأة في العمل بطريقة حازمة مبادرة خطرة، قد تهدد موقعها. عدم المساواة يطال عواطف البشر الذين يجازون النساء أكثر من الرجال. لماذا؟ لأنّ النساء يجب أن يرضخن أو أن يُجسِّدن الصورة النمطية الراسخة في عقل الجماعة والتي تحدّ المرأة بدور المُطيعة، الساهرة على سلامة أبنائها والمنشغلة بإطعامهم وتربيتهم وإرضاء زوجها. النساء المتمتّعات بمستوى ثقة بالنفس يعادل أقرانهنّ من الرجال يَحكم عليهنّ المجتمع بقساوة.

في المقابل، تكشف دراسة أخرى نُشرت عام 2015 أنّ الرجال يشعرون بتهديد رجوليتهم والانتقاص منها عندما يُضطرّون إلى التعامل مع امرأة مديرة. كلّ هذه المعطيات تُبرر سبب عدد نساء القليل في مراكز القيادة والمسؤولية والقرار.

هل الرجل مُبدع أكثر من المرأة؟

إلى ذلك، تنفي دراسة أميركية حديثة الفكرة السائدة بأنّ الرجل مبدع وخلّاق أكثر من المرأة، مؤكدةً ارتباطها بصورة نمطية خاطئة. وقد أجرى باحثون في جامعة ديوك الأميركية دراسة شملت أكثر من 200 شخص، طلبوا منهم تحديد الصفات المتعلقة بالإبداع التي تخوّل شخصاً ما تقديم حلول عدّة لإشكالية معينة. فرأى المشاركون أنّ الابداع يتعلق بصفات يتمتع بها الرجل عادةً مثل القدرة التنافسية والسلطة في أخذ القرارات والمخاطرة.

بعدها طلب الباحثون من 169 مشاركاً في الدراسة قراءة نص حول مهندس ومصمم أزياء وتحديد إذا ما كانا برأيهم رجلاً أو امرأة، وتقييم عملهما من خلال رسومات قاما بها. وفي الحالات التي اعتقد المشاركون أنّ الرسم يعود لرجل قيّموه بأكثر ابداعاً.

تُثبت هذه الدراسة بحسب القيّمين عليها، ترسُّخ معتقدات اجتماعية موروثة في أذهان الناس تعتبر النساء أقل إبداعاً وخلقاً، علماً أنّ هذه المعتقدات لا تمتّ إلى حقيقة قدرات النساء بصلة، بينما يربط الفكر الجماعي القدرة على الإبداع والخلق بصفات المجاذف والمستقل والمغامر ويُخصصها للرجال، ما يكشف سبب إقصاء النساء عن المراكز القيادية في العمل.