IMLebanon

لماذا اعتقد البعض أنّ عـودة العسكريين قريبة؟

لم يكن مستغرَباً أن يسود الإعتقاد بأنّ التفاهم ما بين انقرة والدوحة بعد «عاصفة الحزم» ينعكس على الإتصالات الجارية لإطلاق العسكريين. وما عزّزه بوادر «الطحشة» القطرية وعودة تركيا لتستقطب المفاوضات. كان ذلك قبل أن تتجمّد المحاولات على وقع معارك القلمون، فما الذي أعاق العملية؟

بين مدّ الوساطات الداخلية وجزر الخارجية منها، نامت قضية العسكريين المخطوفين أشهراً عدة قبل أن تعيش موجاتٍ من التفاؤل الحذر بين وقت وآخر.

فقد استنفدت شهور عدة منذ اختطافهم استغل فيها الخاطفون اهاليهم وتسببت العروض التي تقدموا بها بأزمات داخلية توصلاً الى التحكم بحركة السير على الطرق الدولية ومداخل العاصمة قبل أن يُفتح جدل داخل الحكومة وخارجها انعكس لفترة من الفترات شللاً في عمل خلية الأزمة الوزراية التي باعدت بين إجتماعاتها الدورية لغياب أيّ جديد.

ويعترف العارفون أنّ السياسة التي اعتمدها الخاطفون في إستدراج بعض القيادات اللبنانية الى مفاوضات جانبية خاضها وزراء ونواب بتوجيهات من زعماء سياسيين تحت وقع الضغوط التي مارستها عائلات بعض المخطوفين إستفاد منها الخاطفون مزيداً من المال لفترة ومن المؤن والمحروقات في أخرى دون أيّ نتيجة سوى الحفاظ على حياتهم ووقف مسلسل زجّ الرقاب او إنهاء حياة بعضهم برصاصة في الرأس.

والى تلك المرحلة التي عبرت على صفيح متقلّب وساخن، ارتفع منسوب التفاؤل عند التوصل الى تفاهمات أعقبت الإعلان عن «عاصفة الحزم». وتحديداً عندما كشف عن تفاهم مستجدّ بين عواصم مؤثرة في قرارات المجموعات المسلّحة السورية فأثمر توحيداً للقوى وانتصارات على الأرض. فلم يكن سراً القول إنّ الجانب القطري «يمون» على «النصرة»، والجانب التركي – ورغم نفيه المتكرّر في مناسبات عدة – فهو يمون على «داعش».

وتعزّز هذا الإعتقاد بانطلاق جولة جديدة من الإتصالات فأمضى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم اياماً في انقرة التي تحوّلت مقرّاً للمفاوضات بحضور ممثلين قطريين ومَن يمثل «النصرة» على خلفية تلقي الموفد القطري أوامر واضحة بالسعي لإقفال هذا الملف واستنساخ تجربتَي معلولا وإعزاز.

على هذه الخلفيات نُسجت السيناريوهات الإيجابية وعادت حركة الوسيط القطري الى عرسال وجرودها. فنام اهالي المخطوفين ومعهم قادة الإتصالات على حرير الوعود على أساس أنّ مَن يُنجز تفاهماً بهذا الحجم قادرٌ على إسدال الستار على ملفٍ شكّل مادةَ تجاذب بينهم لفترة من الزمن.

وعلى خلفية توافقهم على إبعاد لبنان من الحريق السوري وأنه لا بدّ من إقفال هذا الملف للتفرّغ الى هموم ضبط الحدود بين لبنان وسوريا وليتفرّغ مسلّحو المعارضة السورية الى ملفاتهم الداخلية في مواجهة النظام ووقف الأعمال العدائية تجاه الأراضي اللبنانية.

لم يكن في كلّ هذه السيناريوهات ما هو مستغرَب، فالتفاهمات السياسية تقود بالمنطق الى مثل هذه الحلول والمخارج. لكن وعلى عكس ما إشتهاه الجانب اللبناني فقد ظهر أنّ هذه المعالجات والوعود بقيت سطحية لم ترقَ الى المرحلة التنفيذية، على رغم الحديث عن انجاز لوائح متبادلة لإتمام الصفقة وقد تمّ تنقيحها بشروط لبنانية لا تشكل خرقاً للقوانين اللبنانية والمواثيق الدولية.

وما بين حنايا التفاهمات الناقصة – التي ظهر لاحقاً أنها لم تلامس هموم اللبنانيين – سُجلت بوادر حلحلة بالإفراج عن جثث بعض الشهداء المدنيين والعسكريين قيل إنها من باب «إبداء حسن النية» والإستعداد لمرحلة «المقايضة الكبرى» الى أن انفجر الوضع مجدّداً في القلمون وعلى مقربة من اماكن إحتجاز العسكريين.

فأعاد الخاطفون استخدامهم كسلاح من اسلحة يمتلكونها في مواجهة استمرار تدخل حزب الله في المعارك السورية ومنصة لتوجيه التهديدات في اكثر من اتجاه وإعادة فرز المخطوفين بين شيعة مهدَّدين بالقتل وآخرين تمّ تحييدهم.

وعلى رغم كلّ هذه الوقائع التي يمكن تفسيرها بوجهَيها السلبي والإيجابي فقد تسرّبت معلومات من أنقرة تفيد أن ليس لتركيا يد في قضايا داعش، وأنها ليست سوى المضيف في مفاوضات لبنانية – قطرية – سورية. الى أن ظهر لاحقاً أنّ المبادرة القطرية إصطدمت بعمليات القلمون ما سيؤدّي حتماً الى تأجيل البحث في الملف من جديد بانتظار ما ستنتهي اليه المواجهات في المنطقة والى أمد غير محدّد ومن دون أيّ أفق.