IMLebanon

لماذا يُفكّر المسيحي بالفدراليّة؟!

صدرت منذ مدة عن بعض القيادات الاسلامية وتحديدا من السنّة والشيعة مواقف مستغربة تراوحت بين التحذير والتهديد موجهة في الدرجة الاولى الى المسيحيين الذين لم يجدوا حلا لهواجسهم ومخاوفهم وقلقهم على المستقبل سوى التفكير بصوت عال ان الحلّ المتاح امامهم لكي لا يصيبهم ما اصاب المسيحيين في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن من اضطهاد وتهجير وقتل وسوء معاملة خصوصا في ظل دولة ضعيفة منهكة مشلعة مثل الدولة اللبنانية سوى نوع من «الحكم الذاتي» في الاقضية والمحافظات التي يشكل المسيحيون فيها اكثرية وازنة البعض يسمّيه تقسيما، والبعض الاخر فدرالية لكن الاكثرية الساحقة من المسيحيين، تسمّيه لا مركزية ادارية انمائىة سياسية موسعة وهو مطلب مكرّس في الدستور والقانون، ولا يعني المسيحيين وحدهم بل هو حق لكل طائفة ومذهب ومحافظة وقضاء. لكن المؤسف على ما ظهر في السنوات الـ 26 المنصرمة من عمر دستور الطائف ان القادة والمسؤولين الذين كانت لهم وما تزال القدرة على تطبيق هذا النص الدستوري يقفون عقبة امام تنفيذه بهدف الاستئثار بنظام الحكم المركزي ومنافعه وخيراته، ووضع اليد على الادارات العامة والمؤسسات والوزارات اضافة الى ان الوصاية السورية على لبنان التي تحوّلت لاحقا الى احتلال كامل، كتمت اصوات المسيحيين، عن طريق النظام الامني اللبناني – السوري، بالترهيب والقمع والسجن والتعذيب والتهجير والابعاد، وبعد انسحاب القوات السورية بعد انتفاضة 14 آذار 2005 انكشف الاخلال الكبير الذي لحق بالمسيحيين، على جميع الصعد، وعلى الرغم من ارتفاع اصوات المسيحيين المنددة بالخلل والمطالبة بالمناصفة في الحقوق، الاّ ان وتيرة التجاوب كانت سلحفاتية احيانا، وغاضبة احيانا، وكان لا حقوق مهدورة للمسيحيين في الادارات والوزارات، واخر فصول هذه المسرحية المعيبة كانت على ما يذكر الجميع في وزارتي المال والاشغال وفي جهاز امن الدولة، وفي العديد من الوزارات والادارات العامة الاخرى.

***

لو ان لبنان يتمتع بنظام حكم مركزي قوي ومتماسك السلطة فيه للقانون والدستور والشرعية والقضاء الحر، والدولة تبسط سلطتها وسيادتها على كامل التراب اللبناني، ولا سلاح سوى سلاح الشرعية، ما كان احد من اللبنانيين، وخصوصا المسيحيين منهم، فكر باي نظام بديل، تمسكا بالفقرة – ج من مقدمة الدستور التي تنص على الاتي «لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل»، ومن الفقرة «ز» التي تقول بالانماء المتوازن للمناطق ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا.

في غياب العدالة والديموقراطية والحريات والمساواة والانماء المتوازن، هل كثير يا دولة الرئيس نبيه بري على المسيحي ان يفكر ليس باللامركزية الادارية فحسب بل بالتقسيم ايضا، لتهدده بالسلاح والحرب؟؟

هل كثير على المسيحي وهو مكون اساس في سبب وجود لبنان الدولة في حدوده الحالية، وفي نهضته الثقافية، والتربوية والمالية والاقتصادية، ان يطالب بالامان والحقوق في سلطة فاسدة ودولة مهترئة بوجود مليوني لاجئ ونازح على ارضها، يعمل العالم كله على توطينهم برضى فريق من اللبنانيين وموافقته؟!

اذا كان المسؤولون الذين يتحكمون برقاب الناس، رجال دولة، كما يزعمون، فليس امامهم ليبرهنوا على ذلك، سوى التصرف كرجال دولة، ويتحلوا بالشجاعة ويعترفوا للشعب بانهم اخطأوا في حق لبنان، واساؤوا الى اللبنانيين، او فليذهبوا الى بيوتهم ويختفوا عن الانظار، واذا كان الشعب عاجزاً في هذه الايام عن المحاسبة، فالتاريخ ليس عاجزاً وحسابكم معه سيكون عسيراً، تحت عنوان «هؤلاء دمروا لبنان».