Site icon IMLebanon

لماذا تتحرّش إيران بأميركا؟

يشكل الممر البري الذي تعمل إيران على إنشائه بين العراق وسورية أهمية استراتيجية خاصة لها، إذ عدا عن أن هذا الممر سيشكل رمزاً للهيمنة الإقليمية لإيران، فإنه سيكرس وجودها في المشرق العربي وسيتوّج سنوات الحرب الطويلة التي خاضتها ضد قطاعات كبيرة من شعوب المشرق، بعد أن استحوذت على الدولة وحولت مؤسساتها ورجالها إلى وكلاء لمشروعها في المنطقة.

لكن الاستعجال الإيراني على تظهير هذا الممر والسيطرة على مفاصله، يطوي خلفه غايات أبعد من السيطرة نفسها، ذلك أن إيران التي شقّت مسار طريقها في العراق وسورية عبر سنوات من العمل الدؤوب قام على عمليات تطهير عرقي وحروب إبادة، يفترض أن تكون أكثر ثقة واطمئناناً بأنه يصعب على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي لا تملك من الأصول العسكرية أكثر من ألف جندي أميركي مع حفنة قليلة من الثوار، إحداث تأثيرات مهمة في المشروع الإيراني الذي انبنى خلال وقت طويل وتوطّن بحيث صار اقتلاعه يحتاج إلى قوّة أميركية ربما بحجم تلك التي شاركت في حرب الخليج الأولى، وهو أمر من المستحيلات إعادة إنتاجه في هذه الظروف.

ومن المعلوم أن إيران وفي مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق تعمّدت عدم إظهار مقاومتها للأميركيين، بل طالما حاولت إثبات عكس ذلك من خلال طلبها من حلفائها داخل العراق التعاون مع الأميركيين في العملية السياسية، كما طلبت من حليفها بشار الأسد التعاون الأمني مع الولايات المتحدة عبر تزويدها بقوائم المقاتلين العرب الذين عبروا من سورية إلى العراق، فلماذا تغامر اليوم بالصدام المباشر مع الأميركيين في سورية على رغم أن تدخلهم ليس بالدرجة والكثافة اللتين تنذران بإمكان احتلالهم سورية أو أجزاء منها؟

ينظر الإيرانيون للصراع المحتمل مع أميركا في سورية كونه فرصة يتعين استثمارها، فهو أولاً من الناحية العملانية صراع تعرف إيران حدّه الأقصى، بعد أن أكدت أميركا أكثر من مرة أنها غير معنية سوى بالدفاع عن قواتها في التنف وليس لها أهداف أكثر من ذلك، وبالتالي فإن ترجمات مثل ذلك ستكون مجرد ضربات متقطعة لن تصل إلى حد إعلان حرب مفتوحة على إيران في سورية.

وتعتبر إيران أن هذا صراع رخيص الثمن ستكون حصائده المثمرة لإيران أكبر من أخطاره، ولعلّ أول مكاسبه تبرئة إيران من حروب الإبادة التي ارتكبتها في سورية، ذلك أن حرب أميركا عليها ستظهر أن إيران كانت تقف بالمكان الصحيح في الحدث السوري، وأنها كانت تحارب المؤامرة وأدواتها في سورية وتالياً تحميل مسؤولية العنف والارتكابات إلى الطرف الآخر، أي الضحايا أنفسهم.

ويتولد عن هذا المكسب مكسب آخر لا يقل أهمية، وهو إحراج الأنظمة العربية الحليفة لأميركا وإظهارها بمظهر المتآمر على قضايا المنطقة، وإظهار إيران كطرف وحيد مقاوم ومدافع عن قضايا الأمة، وتمثل هذه الحالة مخرجاً مناسباً لإيران في ظل اشتداد الحصار عليها وظهور مؤشرات الى توجه أميركي يهدف إلى تزخيم العقوبات على إيران لدرجة قد يتم شل اقتصادها ويلغي كل المكاسب التي تحقّقت نتيجة الاتفاق النووي.

على ذلك، وبمنطق حسابات الربح والخسارة، فإن الكفة تبدو مائلة لمصلحة إيران، ما دامت الحرب تجرى بعيداً من المدن الإيرانية، وما دام أن ما ستخسره إيران في المواجهة ليس سوى عناصر من اللاجئين الأفغان والباكستانيين، أو حتى من الميليشيات العراقية واللبنانية، ذلك أن لديها خزاناً هائلاً من هؤلاء بحيث يمكن دائماً تعويض أي خسارة ما دامت سردية المظلومية ما زالت تعمل بكفاءة وما دامت أنابيب النفط والغاز غير معطّلة.

غير أن ثمّة تطورات أخرى بدأت بالظهور على سطح الحدث السوري استدعت عملاً استباقياً من جانب إيران، وتتمثل تلك التطورات في المفاوضات المستمرة بين الأميركيين والروس في العاصمة الأردنية عمان، والتي تتخوف طهران من تحوّلها إلى مفاوضات لاقتسام النفوذ في سورية بين اللاعبين الكبار وإخراج إيران من اللعبة السورية نهائياً، وانطلاقاً من ذلك، فإن النشاطات الإيرانية، سواء في البادية بين العراق وسورية أو في درعا جنوباً هدفها إرباك هذه المفاوضات وإجهاض أي نتائج لا تأخذ في الاعتبار مصالح إيران.

لن تكّف إيران عن الزج بميليشياتها لإرباك أي ترتيبات محتملة في المنطقة تستبعد دورها وتؤثر في نفوذها، وستفعل ذلك انطلاقاً من القاعدة التي تعاملت بها مع حوادث المنطقة، تحويل الأخطار والتحديات إلى فرص، ما دامت المواجهة الأميركية معها لن تغير الديناميكيات السائدة في المنطقة لمصلحتها.