انتقل المعارضون لمعركة القلمون التي ساهمت في توجيه ضربة قاسية للتكفيريين من موقع الهجوم الى موقع المشيعين لاجواء الاطمئنان بان «لا خوف من داعش وربما على داعش». الموقف الذي صدر عن بعض قيادات المستقبل وعن معراب اصاب جزءاً من الرأي العام بالصدمة اولاً للنظرة الاستخفافية في التعاطي مع ظاهرة الارهاب والارهابيين التي اسقطت دولاً وغيرت معالمها وحضاراتها فقتلت ودمرت وطردت الاقليات وهي تحكم اليوم بالشريعة التي لا تمت للدين بصلة، وايضاً لأن هذا الفريق الذي لا يخشى من «داعش» و«النصرة» ويحاول ان يظهر ان لبنان بمنأى عن خطرهما يبدو وكأنه لا يتطلع الى الافق البعيد ويوظف حقده السياسي واختلافه مع الفريق الآخر في معركة الارهاب المتسلل الى الداخل بدون ان يضع خطة عمل لمواجهة الخطر القادم فلا شيء يفعله سوى التشويش على المعارك الجارية على حدود السلسلة الشرقية وعلى الانتصارات التي يحققها محور المقاومة منبهاً قيادة الجيش من التورط في تلك المعارك خوفاً على حياة العسكريين. والسؤال الذي تطرحه اوساط في 8 آذار، لماذا لا تقوم قيادات 14 آذار وعلى رأسهم وليد جنبلاط وسمير جعجع بخطوات عملية واتصالات لتحرير العسكريين المحتجزين لدى المسلحين طالما هم ينظرون الى هذه الجماعات على انها مجموعات «غير ارهابية» يمكن التعامل والتفاوض معها كما يعتقد جنبلاط بدل التشويش على العمليات الامنية والميدانية التي ينفذها حزب الله والتي ادت الى دحر الارهابيين وتراجعهم وانسحاقهم في جرود القلمون على ان تستكمل ربما هذه العمليات في الجرود العرسالية بعد صدور القرارالسياسي خصوصاً ان المواجهة بين حزب الله والمسلحين في البقعة العرسالية يثير حساسيات مذهبية ويبقى الامر العسكري فيها متروكاً للجيش الذي بات يسيطر على تلال استراتيجية ومزوداً بالسلاح المناسب لمعركة الجرود عندما تحين الساعة.
الأسوأ مما تفعله قيادات 14 آذار غير المسيحية تضيف الاوساط، لجهة تدخل بعض المسؤولين من الفريق نفسه وتوسطهم لمعالجة توقيفات الاسلاميين وما يحصل في سجن رومية وحتى اضطرار هؤلاء الى مواجهة وزير الداخلية وافتعال حرب معه، ان بعض القيادات المسيحية تتحدث عن «داعش» وكأنها تتكلم عن شخصيات مسالمة لم تساهم في قتل وتهجير المسيحيين من الشرق وتغيير وجهه الديموغرافي من سهل نينوى والموصل الى سوريا وربما الى لبنان لاحقاً تحت شعار فليحكم الإخوان. وهذا الموقف على ما تقول الاوساط بدأ يرتد على شعبيتها وقد انطلقت مؤخراً حملة من مسيحيي الأطراف وخصوصاً المسيحيين في بلدات البقاع الغربي تدعو هذه القيادات الى الاستفاقة من غيبوبتها السياسية فيما المسيحيون في البلدات والقرى البقاعية يعيشون على عقارب الساعة خوفاً من هجوم او تسلل مفاجىء للمسلحين باتجاه القرى الشيعية والمسيحية.
وعليه تقول اوساط مسيحية، لم يعد مشهد سمير جعجع في الرابية او بالعكس مغرياً او حماسياً في الحسابات المسيحية كما كان ليكون قبل احد عشر شهراً فيما لو التقى الزعيمان المارونيان ليتفقا قبل ان يحل الفراغ في الكرسي الرئاسي، ولم يعد هذا المشهد يحوذ ثقة الكثير من المسيحيين فعون وجعجع التقيا كثيراً وتبادلا الرسائل والوسطاء وكادا يصبحان في خندق واحد عندما شعرا انهما مستهدفان من الآخرين انفسهم وعندما نفي احدهما وسجن الآخر، ولكن لا الظلم ولا الاضطهاد المشترك ساهم في تقريب المسافات وفي ايجاد مساحة خاصة بينهما، وهذا المشهد لم يعد يعني الكثير من المسيحيين كما تقول الاوساط المسيحية بعدما جلس الخصمان اللدودان في المستقبل وحزب الله جنباً الى جنب رغم المحكمة الدولية واغتيال قيادات 14 آذار ورغم مشكلة قتال حزب الله في سوريا، وهو نفسه لم يعد يعجب مسيحيين آخرين في زمن «داعش» و«النصرة» ودخولهما الاراضي اللبنانية وتهديداتهما التي توزع على كل اللبنانيين بدون تمييز بين فئة او فريق.
فالمسألة ليست مسألة لقاء زعيمين مارونيين متخاصمين ويتنافسان على الموقع المسيحي الأول في البلاد وحدها، انما الخوف على مستقبل المسيحيين في لبنان تؤكد الاوساط بعد سيطرة «داعش» في الموصل وموجة التهجير التي اصابت المسيحيين في الاراضي العراقية والسورية والمخطط المرسوم لتفريغ الشرق من مسيحييه، يقابله ما يحصل مسيحياً من فراغ في الكرسي الأولى واختلال عمل المؤسسات المسيحية نتيجته، فعدم انتخاب رئيس للجمهورية يصب في خانة اضعاف المسيحيين، والتعطيل كما تقول الاوساط وقد طال أمده رغم الضغط الفاتيكاني ومطالبة الدول الأوروبية والكبرى لانجازه. الحقيقة الثابتة والوحيدة وهي ان المسيحيين في لبنان لم يعودوا على الحياد بل اصبحوا في قلب المعركة ويكادون يصبحون ربما وجهاً لوجه مع الارهاب في مرحلة لاحقة، في الوقت الذي يتلهون به بالخلافات والمناكفات الداخلية وبحروب الإلغاء التي تدور بين القيادات المسيحية التي وان اجتمعت فان اي لقاء لن يساهم في تنقية القلوب وفي تقوية المسيحيين لمواجهة ما يتهددهم من اخطار الارهاب وتداعياته عليهم.