Site icon IMLebanon

لماذا لا يبقى..؟

لا أحد يستطيع أن يتجاهل الديناميكية السريعة التي يولّدها في الحركة السياسية، وجود سعد الحريري في البلد.

هذه الحيوية المميزة لا تقتصر على محيط تيّار المستقبل وحلفائه، بل تمتد إلى دوائر الخصوم السياسيين، الذين يجدون أنفسهم أمام حراك يتطلب تجاوباً، إيجابياً أم سلبياً، وذلك تبعاً لردود فعل الخصوم من المواقف الحريرية المطروحة.

عودته المفاجئة اليوم استنهضت جمهوره المُحبط لألف سبب وسبب، وساهمت إلى حدّ بعيد في لملمة صفوف حركة 14 آذار، حيث حرصت كل القيادات على المشاركة الشخصية في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأدت إلى كسر الجليد الذي سببته التباينات حول الاستحقاق الرئاسي.

طبعاً، لا نستطيع القول أن الخلاف بين بيت الوسط ومعراب انتهى بحفلة التبويس الحارة، التي حصلت خلال مصافحة الحليفين اللدودين، ولكن اللقاء بينهما يعتبر خطوة لا بدّ منها لإعادة وصل ما انقطع بينهما، إثر تبني رئيس القوات اللبنانية ترشيح «جنرال» الرابية لرئاسة الجمهورية.

دعوة الحريري لقيادات 14 آذار بالوقوف إلى جانبه صفاً واحداً في نهاية الاحتفال، تتجاوز إيحاءاتها السياسية رمزية الصورة الاحتفالية التذكارية، إلى تأكيد التمسّك بالحركة السيادية والاستقلالية الوطنية، العابرة للطوائف والمناطق، والتي حققت مصالحة شعبية عفوية بين المسلمين والمسيحيين، كانت تعتبر الحلم الدائم للرئيس الشهيد.

ولكن زعيم «المستقبل» يُدرك، أكثر من غيره، أن العلاقات داخل حركة 14 آذار، تحتاج إلى عملية ترميم سريعة وفعالة، تعيد التواصل أولاً بين القيادات، وتساعد على إعادة تقييم للمواقف والتطورات الأخيرة، وصولاً إلى صياغة رؤية مشتركة تتضمن الحد الأدنى من التوافق على الملفات الرئيسية، بما يُساعد على إخراج البلاد والعباد من حالة التخبّط الراهنة، والتي تهدد بالوقوع في الهاوية.

* * *

لا ندري إذا كان الوضع الأمني للرئيس الحريري، يسمح ببقائه في بيروت، ولو لفترة معقولة، ينكب خلالها على العمل مع الشركاء في الوطن، على إخراج الاستحقاق الرئاسي من دوّامة التعطيل القاتل، ويسعى إلى إنهاء الشغور الرئاسي المعيب، والذي يوشك أن يدخل عامه الثاني.

يبدو أن المبادرة الحريرية بترشيح الوزير سليمان فرنجية في السباق الرئاسي، ما زالت مستمرة، مع حرص واضح على عدم إقفال الأبواب أمام أحد، وعدم وجود أية رغبة لفرض مرشّح معين ووحيد على الآخرين، على نحو ما فعل «حزب الله»، عندما أعلن أمينه العام صراحة أن لا جلسات انتخابية إذا لم نضمن فوز العماد عون بالرئاسة!

الحريري اعتمد الممارسة الديمقراطية «سلاحاً» وأسلوباً في المعركة الرئاسية، عندما اعتبر وجود ثلاثة مرشحين ظاهرة صحية في النظام الديمقراطي، وأن نتائج جلسة الاقتراع في مجلس النواب هي التي تحدد الرئيس الفائز، مع التأكيد على أن لا اعتراض ولا فيتو على أحد، شرط أن يُعلن كل مرشح التزامه باتفاق الطائف.

إذاً، الكرة ليست في ملعب «المستقبل»، بقدر ما هي واقعاً في ملعب 8 آذار، وبالذات «الحزب»، طالما أن المرشحين الأساسيين هم من الحلفاء، وفوز أحدهما، كائناً من كان، هو انتصار لهذا الفريق، كما قال السيّد حسن نصر الله، ومع ذلك فقرار تعطيل الجلسات النيابية الانتخابية مستمر، والفراغ سيبقى هو المهيمن على الرئاسة الأولى وقصر بعبدا!

* * *

كلام الحريري كان واضحاً وقوياً في التمسك بعروبة لبنان، ورفض التعرّض للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، والتنكّر لكل ما قدمته لبلدنا من دعم ومساندة، لمصلحة المشروع الإيراني، وبهدف استبدال الوصاية السورية بالوصاية الإيرانية، الأمر الذي يُؤكّد على أهمية استعادة زخم حركة 14 آذار في التصدّي لمشاريع التفرّد والهيمنة، بعيداً عن المشاركة الحقيقية، والشراكة الفعلية بين مكوّنات النسيج اللبناني.

والمفارقة في هذا المحور بالذات، أن تصدّي الحريري وقوى 14 آذار للمشروع الإيراني في لبنان، يحتاج إلى خطة وإمكانيات وقدرات، غير متوفرة، وغياب هذه الإمكانيات يُشكّل أحد عوامل التراجع في الحركة السيادية، في حين أن المحور الإيراني يوفّر كل أشكال الدعم والمساندة لحلفائه وأدواته، في لبنان، وعلى امتداد المنطقة، فضلاً عن تمويل الانتشار الإعلامي الواسع، من لبنان ودول عربية أخرى شرقاً، وصولاً إلى أوروبا والولايات المتحدة ودول أميركا الجنوبية غرباً!

ورغم هذا التفاوت بالطاقات والقدرات، فإن محور التصدّي ما زال يقف سداً قوياً لردع محاولات فرض الهيمنة والوصاية على الوضع اللبناني!

* * *

لماذا لا يبقى سعد الحريري في لبنان؟

سؤال طالما شغل جمهور «المستقبل» العريض، طوال سنوات الوجود القسري لزعيمه خارج البلاد.

نتائج الغياب السلبية أصبحت واضحة للجميع، ولا مجال لتجاهل تداعياتها على مختلف المستويات: السياسية والشعبية والإنمائية.

ثمة من يعتقد أن وجود سعد الحريري في بيروت من شأنه أن يُطلق حالة استنهاض لجمهوره، ويساهم في رفع المعنويات، بعد هذه الموجة المتمادية من الإحباط ، ويُعيد تنظيم آلية العمل للتيار وللكتلة النيابية، وحتى للوزراء الممثلين لـ «المستقبل» في الحكومة.

وهناك من يذهب إلى حدّ القول بأن بقاء الحريري في بيروت يُساعد على تنشيط الحوارات مع الحلفاء، كما مع الخصوم، ويدفع بها إلى مواقع واضحة بعيداً عن اللف والدوران، خاصة وأنه أثبت بمبادراته المتتالية مؤخراً، أنه قادر على تدوير الزوايا، والالتقاء مع الآخر في منتصف الطريق.

باختصار،

أَن يبقى سعد الحريري في بيروت يعني أن قيادة 14 آذار، ومعها تيّار المستقبل، استعادت وهجها وفعاليتها، وأصبحت أكثر قدرة على تخفيف الخسائر!

فهل يبقى؟!