IMLebanon

لماذا تمايزت مصر عن الدول الخليجية؟ القاهرة تعيد استيعاب النظام السوري عربيّاً

تميز موقف الديبلوماسية المصرية عن سواه من مواقف الدول العربية ازاء التدخل الروسي الى جانب بشار الأسد في سوريا بالاعلان ان هذا التدخل “يحاصر الارهاب ويقضي عليه” وفق ما قال وزير الخارجية سامح شكري الذي كانت له مواقف سابقة ممهدة لهذا الموقف عبر قوله في مطلع أيلول الماضي “ان مصير بشار الأسد يقرره السوريون” داعيا الى العمل بورقة جنيف 1.

ليست مصر اليوم كمصر في السابق. وهي لم تستعد بعد القدرة والثقل اللذين يمكن ان يسمحا لها بالتمايز على نحو جذري عن مواقف دول خليجية لها ما لها على مصر راهنا بعد نجاح وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى الرئاسة المصرية. علما ان موقف المملكة العربية السعودية العلني الرافض كليا لبقاء بشار الأسد لأي مرحلة انتقالية يبدو سقفا مرتفعا جدا بحيث لا يبدو قابلا للمرونة. وبغض النظر عن ان المنطق الذي يقول به وزير الخارجية المصري اي ترك الشعب السوري يقرر مصير الأسد يدحضه واقع ان إيران ومن ثم روسيا هما من يقرران مصير الأسد وليس الشعب السوري على غير ما تدعي روسيا في هذا الاطار أيضاً، فان الموقف المصري يبدو لافتا من حيث مناقضته العلنية لموقف الدول الخليجية الداعمة له من جهة ورماديا من حيث محاولته امساك العصا من منتصفها على نحو يفسره البعض بالمخاوف التي تساور مصر من وصول قوى اسلامية الى السلطة في سوريا تعيد تهديد السلطة في مصر. الا ان مصادر ديبلوماسية واخرى سياسية مطلعة تنفي وجود تناقض فعلي بين مصر والدول العربية انطلاقا من ان مصر مكلفة بنتيجة الاتفاق مع روسيا من جهة ومع الدول الخليجية من جهة اخرى بالتمهيد أو العمل على اعادة النظام السوري الى حضن العرب متى نجح التدخل الروسي عبر عملياته العسكرية المباشرة في ابعاد النظام عن إيران. فهذا جزء من التغطية غير المباشرة التي يعتقد انه حصل عليها قبل مبادرته الى الانخراط عسكريا في سوريا على رغم الايحاء بان هذا الانخراط كان مفاجئا لدول عدة. وهذا مبني على معلومات متوافرة لدى هذه المصادر تفيد بان مصر هي التي سعت مع روسيا قبل اشهر الى تنظيم سفر المسؤول المخابراتي السوري علي المملوك الى المملكة السعودية وليست روسيا وحدها من تولت هذه المسألة، ما استفز إيران التي سربت الخبر عبر صحف لبنانية مؤيدة لـ”حزب الله” من اجل محاولة افشال المسعى المصري الروسي بابعاد النظام عن إيران واعادة استيعابه عربيا. وهذه الاعتبارات تشكل أبرز الأسباب لتمايز الموقف المصري من دون ان يثير ردود فعل منددة أو منزعجة من الدول العربية بغض النظر عما اذا كانت روسيا ستنجح في تنفيذ ذلك، اي ابعاد النظام السوري عن إيران ام لا، أو هل ستكون جدية بذلك نظرا الى ان إيران منخرطة بقوة وعمق في الامساك بشرايين النظام وارادة الرئيس السوري ما قد يصعّب من هذه المهمة. بل من غير المستبعد في هذا الاطار ان تتلاقى المصلحتان الروسية والإيرانية في سوريا كما في تلاقيهما على محاور عدة ما قد يؤدي الى تحقيق هدفهما المشترك في اعادة احياء النظام وتأهيل الأسد على حساب ما هدفت اليه روسيا اصلا من تدخلها الذي يفترض ان يبعد سوريا عن إيران، وذلك جنبا الى جنب مع تحقيق مصالحها الاستراتيجية المباشرة في الحفاظ على موقعها على البحر المتوسط واستعادة نفوذ قوي لها على حساب الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة.

هذه المهمة بالذات تؤدي الى هامش واسع من المعطيات التي تذهب في اتجاهين: احدهما يؤشر الى عدم معارضة جدية للتدخل الروسي لا أميركيا ولا غربيا ولا عربيا أيضاً. والدليل على ذلك محاولة تصويب الدول الغربية ما تقول انه استهداف من روسيا للمعارضة المعتدلة، وهو هامش واسع يتمتع بأفضليته سلاح الجو الروسي على سلاح الجو الأميركي الذي يحاذر استهداف المدنيين أو اي مجموعة خارج ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية في حين ان روسيا لا تأبه فعلا لهذا التصنيف ما دامت تتبنى توصيف الرئيس السوري حول وسم جميع معارضيه بالارهاب فضلا عن ان لروسيا مصلحة مباشرة في دفع المعارضة الجالسة في احضانها والممثلة في قدري جميل ومن مثله على حساب المعارضة الفعلية لبشار الأسد. فانبرت الدول الغربية الى الاعلان عن ضرورة تصويب روسيا على تنظيم الدولة الاسلامية فقط، ولم تحصل معارضة فعلية كبيرة للتدخل الروسي في حين ان تصريح الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا الذي تحدث عن “حرب مقدسة” ضد الارهاب يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يثر على رغم الالتباس الذي احاط به ردود فعل كان يفترض ان يطلقها بالاضافة الى ما كان يفترض ان يطلقه التدخل الروسي من دعوات للجهاد ضد الروس مثلا قياسا بتجارب سابقة في افغانستان مثلا. وهذا يعني بالنسبة الى هذه المصادر ان التدخل الروسي لم يحصل على نحو قد يثير استفزاز الدول السنية اقله حتى الآن. اما الاتجاه الآخر فيؤكد مدى استمرار الصراع السعودي الإيراني في المنطقة والذي لا يبدو قابلا للردم على رغم اظهار إيران رغبة علنية قوية في الجلوس مع الدول الخليجية وحدها والتي لا تقابلها حماسة سعودية بالشروط التي تطرحها إيران.