Site icon IMLebanon

لماذا يهتم كل سياسي بالحوض النفطي المُواجِه لمنطقته؟

مرّ شهران على اتفاق التيار الوطني الحر وحركة «أمل»، على ملف تلزيم استخراج النفط. مع ذلك، تراوح الامور مكانها لأسباب مُعلنة وغير مُعلنة. وكما هي العادة، فان ما هو غير مُعلن يعكس الحقيقة المخبّأة، أو القطبة المخفية وفق التوصيف اللبناني، في حين أن المُعلن لا يعدو كونه كلاماً مُضجراً، يجري ترداده في كل مناسبة تشبه هذا الوضع.

كانوا ثلاثة اكتشفوا ان هناك ثروة نفطية في مياههم الاقليمية والاقتصادية، موزّعة في أحواض وبلوكات في حوض البحر الابيض المتوسط. اليوم هناك دولتان (قبرص واسرائيل) باشرتا التنقيب واستخراج النفط، وبقيت دولة ثالثة (لبنان) تنتظر ما هو الأفضل: تلزيم كل البلوكات دفعة واحدة، ام تلزيم مرحلي ومتدرّج للبلوكات؟

هذا السؤال المعضلة الذي كان السبب المُعلن لتجميد مشروع البدء في الافادة من الثروة النفطية، وتحسين الوضعين المالي والاقتصادي كان يُخفي سبباً غير مُعلن لا علاقة له بالحسابات الاقتصادية بل يرتبط بحسابات مصلحية خاصة على علاقة بهوية الشركة المحظية التي قد تحصل على حصة الاسد في مزايدة من هذا النوع.

ويبدو ان هذه الشركة بالذات، سبق لها أن عرضت ان يتم تلزيمها البحر بما يحوي، مقابل مبالغ مقطوعة، وتقديمات خدماتية وتنموية مهمة، لكن طلبها رُفض في حينه. أيضاً، لا أحد يستطيع أن يجزم بأن الرفض نابع من كون العرض مجحفاً في حق الدولة اللبنانية، بل على الأرجح انه مُجحف في حق من كان يستطيع أن يعرقل ليحسّن شوطه، وهذا ما فعله.

في كل الأحوال، وبعدما بدأ يتأكد ان ملف النفط ليس مجرد مزحة كما كانت الحال في سنوات سابقة، سارع «حيتان» السياسة هذه المرة الى البحث عن الحصص العادلة في هذا البئر المالي الجديد.

وبما ان القانون اللبناني يسمح بوكلاء تجاريين حصريين للشركات العالمية الراغبة في العمل في لبنان، كان من البديهي انه أصبح لكل شركة راغبة في مقاربة مشروع استخراج واستغلال النفط في لبنان، وكيل تجاري حصري، ويُقال ان الوكلاء المعنيين لا علاقة لهم بالاسم المُسجّل رسمياً في السجلات التجارية، بل غالباً ما يكون الاسم مجرد غطاء لوكيل أصيل، وهو في الغالب سياسي من الصف الاول.

لكن الصراعات لم تكن محصورة في الحصص من خلال محاولة كل وكيل أصيل ضمان فوز «شركته» بحصة الأسد في التنقيب والاستخراج، بل شملت أيضاً النفوذ الشعبي والسياسي. اذ من المعروف أن شركات النفط العالمية، وفي إطار مسؤوليتها الاجتماعية، تُخصّص نسبة من الأموال التي تحصل عليها في مشاريع استخراج النفط، لتنمية المناطق المحيطة بالحوض الذي تعمل فيه.

ومن هنا قد نفهم، على سبيل المثال لا الحصر، لماذا يركّز كل سياسي لبناني على الاحواض القريبة من منطقة نفوذه، ذلك انه يكون قادرا على تقديم مشاريع تنموية لابناء منطقته على حساب هذه الشركات بما يعني تحقيق مكاسب سياسية.

كذلك، فان الشركات الرديفة، بالاضافة الى الشركة الأم التي تنفذ مشروع استخراج النفط، تعطي الاولوية في العمل لديها لابناء المناطق التي يتواجد فيها الحوض، وهذا الباب أيضا هو باب رزق سياسي للزعيم الذي يستطيع ان يوظّف المحاسيب والأزلام في منطقته ويكسب المزيد من الرصيد الشعبي الخدماتي.

أما القول ان الخلافات النفطية هي خلافات مبدئية تشبه السباق على المصلحة العامة، فهو قول فيه الكثير من الاستخفاف في عقول الناس، ومن المستغرب ان من يطلقه لا يزال يعتقد ان هناك من يصدقه.

بعد الاتفاق بين حركة امل والتيار الوطني الحر، وهو اتفاق ينصّ على التلاقي في منتصف الطريق، بمعنى انه تمّ التوافق على استدراج عروض لخمسة بلوكات على أن يتم تلزيم عدد من البلوكات التي تحظى بأفضل العروض، يبدو ان هذا الاتفاق ليس كافياً لكي يُقلع مشروع استخراج النفط. ظاهرياً، السبب هو ان رئيس الحكومة لم يتجاوب مع الطرح لأنه يريد دراسة الاتفاق، ضمناً، هناك أسباب حقيقية لا علاقة لها بالدرس.

أما مسألة الجدوى الاقتصادية، فهي مطروحة بقوة. لكن يبدو انه لا يزال أمام لبنان منفذٌ واحدٌ للتسويق هو السوق التركي. اذا تأخرنا أكثر، قد نصل فعلاً الى مرحلة يصبح فيها النفط بلا جدوى.