مِن الواضح أنّ ثَمَّة زخماً كبيراً في جبهة الشمال السوريّة. بعد إدلب وجسر الشغور تمكّنَت المجموعات المسلّحة من السيطرة على أريحا، وهذا ما كان متوقّعاً، بحسب أوساط سوريّة مطّلعة، لأنّ البلدة أصبحَت معزولةً ومحاصَرة وكِلفةُ الدفاع عنها عالية.
هذه التطوّرات المستمرة منذ شهرين، من أدلب إلى تدمُر دفعَت كثيرين إلى طرح أسئلة حول حقيقةِ ما جرى، وحول موقف الدولة السورية والجيش السوري بعد أربع سنوات من القتال.
تبدأ أوساط سوريّة مطّلعة على موضوع تدمُر، فتشير إلى أنّ الجيش وقوات الدفاع الوطني أعدّا العدّة جيّداً لمعركة مدينة تدمر. لم يكن في الأمر أيّ تساهل، وكانت القوات جاهزةً بتشكيلات مختلفة من المدرّعات والدبّابات والمشاة والطائرات.
ولكن فجأةً حدثَ أمرٌ مفاجئ في الجبهة العراقية. سَقطت الرمادي في أيدي «داعش» بنحو «مريب» وبدا أنّ «الدخول في معركة مع «داعش» في ظلّ حالةٍ مِن التسامح الدولي مع التنظيم سيكون بكِلفة عالية، وكان لا بدّ من الحفاظ على الجنود»، أمّا في السياسة فقد رأت القيادة السوريّة أنّ كِلفة الحفاظ على تدمُر أعلى من أهمّيتها الاستراتيجية.
سقوط الرمادي جاء سريعاً ومفاجئاً. واشنطن التي استقبلت وفداً من «وجهاء الأنبار» طالبَها بتسليح منفصل عن الجيش العراقي، تدفع في اتّجاه الفيدراليات في العراق وتشكيل جيوش مذهبية، واحد للسٌنة وآخر للشيعة وثالث للكرد. ولا يمكن فصل حركة المسلحين في سوريا عن المسعى الغربي
ـ الأميركي ـ الإسرائيلي لتفتيت المنطقة وتقسيمها ومِن ثمّ تركها في النزاع مئة عام مقبلة، حسب الأوساط السورية المطّلعة نفسها.
مسألةُ أدلب وجسر الشغور وأريحا وكلّ الشمال السوري لا تَحيد عن هذه القاعدة. الجيش قاتلَ ببسالة في إدلب المدينة، وهو يقاتل منذ أربع سنوات، ومعه متطوّعون في الدفاع الوطني من أبناء المدينة.
حجمُ النيران المستخدَمة وقوّة الهجوم، أكّدت وجود «زخم تركي» في الهجوم. ولدى دمشق معلومات مفادُها أنّ القرار بتزخيم جبهة الشمال اتُخِذ في 6 نيسان الماضي يوم زارَ وليّ العهد السعودي محمد بن نايف أنقرة والتقى الرئيسَ التركي رجب طيّب اردوغان.
بعد الزيارة فُتِحت مخازن الأسلحة أمام المقاتلين، ودخلَ في المعركة مسلّحون متطرّفون من دوَل الاتّحاد السوفياتي السابق، جاؤوا إلى سوريا عبر تركيا وبمعرفة الاستخبارات التركية وتسهيلها. وكان لهؤلاء «الفضل» في حَسم المعركة لمصلحة المسلحين تحت مسمّى «جيش الفتح»، وهو عبارة عن اندماج لفصائل وألوية إسلامية مع «جبهة النصرة» التنظيم الشامي لـ»القاعدة» بزعامة أيمن الظواهري.
لم تقُل سوريا إنّها تستطيع وحدَها أن تقاتل الإرهاب. وهي منذ اليوم الأوّل تقول إنّ مكافحة الإرهاب تبدأ بقرار سياسي تَتّخذه الدوَل الداعمة لهم وفي مقدّمِها واشنطن وحلفاؤها الإقليميّون. وتسأل الأوساط السورية نفسها: «إذا تعرّضَت الولايات المتحدة لِما تتعرّض له سوريا، كم سيَصمد جيشُها؟»
وتؤكّد: «أنّ الجيش السوري يَعمل على استراتيجية جديدة عنوانُها الصمود والمواجهة وخَوضُ المعارك الاستراتيجية، وفرضُ وقائع عنيدة لا يمكن تَجاوزُها في أيّ بحث سياسي حول الوضع السوري». وتضيف: «الرهان على تراجع الجيش السوري وضعفِه هو رهانٌ خاسر، ودمشق ستَخوض المعركة حتى النهاية في عملية الدفاع عن وحدةِ سوريا والدولة والشرعية».
الإرهاب الذي يتمدّد في العراق وسوريا واليمن، سيَرتدّ على الدوَل التي تلعب هذه الورقة حاليّاً. هذا ما قالته سوريا منذ العام 2011، وها هو يَضرب في فرنسا والسعودية، وقد يَضرب في أيّ مكان وفي أيّ وقت.
إذا كان هنالك استراتيجية جدّية لمكافحة الإرهاب فإنّ سوريا ستكون في طليعة الملتزمين بها، أمّا عمليات «غضّ الطرف» الدولي والخداع الذي يمارسه الغرب حيال الموقف من الإرهاب، فسترتدّ عليه، وسوريا لن تكون وحيدةً في ميدان مواجهة «الإرهاب»، وهنالك استراتيجية عسكرية جديدة ستُعلِن عن نفسِها قريباً، حسب الأوساط السوريّة المطّلعة.