IMLebanon

لماذا يصرّ فرنجية على استمرار ترشحه؟

أكّد النائب سليمان فرنجيّة استمراره بترشيح نفسه لرئاسة الجمهوريّة من على باب عين التينة بعد لقائه الرئيس نبيه برّي، وهذا حتماً حقّ مشروع له لا تسوغ مناقشته في جوهره، وحقّ لكلّ مارونيّ أن يترشّح لهذا الموقع، وكلّ ذلك خارج أيّ نقاش. لكن ما هو خاضع للمساءلة والنقاش، تلك المسلمات التي يتمسّك بها أيّ مرشّح في مثل هذا الظرف، معتبراً إياها بأنّها جزء من تكوينه في الشكل فيما هو في الجوهر بات خارجاً عنها.

ليس من لذّة أو من ترف أن يضيء الكاتب على سياقات تبدو متلاشية، وصاحبها يعرف أنها ليست منه ولا هو منها، لكنّ اللذة أن تناقش المعطى إذا سما باتجاه الحقيقة المدركة في قلب المعنى القائم عند هذا أو ذاك، فكيف عند النائب سليمان فرنجيّة كمرشّح حامل إرثاً مباركاً، وهو إرث عروبيّ منفتح بآفاق إنسانية واسعة، وفي بعض منه تسربل الوشاح المشرقيّ الممدود من سوريا إلى إيران ضمن جبهة الممانعة، وهي جبهة مكوّنة من سوريا وإيران وحزب الله، وهو من اعتبر نفسه جزءًا لا يتجزّأ منها وحركة من حركاتها ووجهًا من وجوهها وكلمة صلبة من كلماتها النازلة على الأرض، والمغرسة في جوفها كعمود من نار ونور.

ليس لنا في هذه العجالة الإشارة إلى التفاصيل، وسبق لنا أن قمنا بمناقشة سليمان بك من على تلك الصفحة بالشكل والمضمون بمحبّة كاملة له ولبيته وللشهادة المتحدّر من جوفها النابض حياة وليس موتاً. غير أنّ المصادر المواكبة لحراكه منذ أن قام الرئيس الحريري بترشيحه، لفتت النظر إلى أنّ النائب فرنجيّة بدأ يتعاطى مع مسألة انتخابه من زاوية واحدة وليس من زوايا تعنيه بصورة مباشرة وتعني الحلف المنتسب إليه والساري في دمه على حدّ قوله. فمثلاً زار الرئيس نبيه برّي أكثر من مرّة، ولم نسمع بأنّه زار على سبيل المثال لا الحصر أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله في موكب الحراك والطواف، وبخاصّة أنّه سمع منه هذا القول بأن دعم الرئيس سعد الحريري له آنذاك يشكّل معطى آخر وجديداً في التعاطي السياسيّ، والمصادر المشيرة إلى تلك الملاحظة لم تقصد بالإشارة التمييز والفصل بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه برّي والتفريق بينهما وبالأمس قال الشيخ نعيم قاسم كلاماً واضحاً في هذا الشأن، بل قصدت القول أنّ استمرار فرنجيّة بترشيح نفسه خاضع لمقاييس وجب الإضاءة عليها أو على جوانب منها، منها أنّه ليس قائماً في ذهن من قال بأنه يثق بالعماد ميشال عون، ويؤيّد وصوله إلى رئاسة الجمهوريّة.

لقد ظهر جليّاً وبما لا يقبل الشكّ والجدل، بأنّ حزب الله وعلى رأسه أمينه العام السيّد حسن نصرالله مسكوب قراره في كل ماهية المعركة الانتخابيّة الرئاسيّة بالعماد عون وليس بمرشّح آخر، ولا يمكن له أن يعتمد وجهين في القرار أيّ وجهاً معلَناً ومعلِناً بأنّ ميشال عون مرشّحه، ووجهًا آخر محجوباً مضمِراً في الصمت والسكون إسماً آخر كالرئيس سلميان فرنجيّة. فقد كان السيّد واضحًا في حديثه الأخير إلى فرنجية وفي إعلانه عنه على «قناة الميادين» وفي معظم خطاباته. بهذا المعنى قول السيد سيد الكلام وغير خاضع لتأويل او تأوين. وقد حاول بعضهم دكّ إسفين بين العماد عون والسيد نصرالله بالإشارة المباشرة إلى لحظة منقسمة ومبهمة وتهيمن عليها أطياف متنزلة من وجوه مأخوذة إلى لعبة المناورة المباشرة وغير المباشرة، منها ما هو منظور ومنها ما هو غير منظور. لكنّ ذلك ملفوظ وممجوج من أدبيات السيد، وهو من سهّل مهمة العماد عون وفتح كوّة في الجدر السميكة المحيطة ليس من قبله فقط بل من قبل الإنتاجية السياسيّة المضادة بشقّها العربيّ والإقليميّ لسعد الحريري، وأدناه نحو المبادرة. الطامة هنا أن سليمان فرنجيّة لم يلحظ هذه الرؤية في متن تصريحه، أطلق سهامه نحو سياق ترشيح العماد عون، وهو ليس بترشيح بل هو تبنّ لترشيح لم يحصل وتجمع معظم المصادر على أنّه قد لا يحصل، وفي المقابل لم ينبسّ العماد عون ببنت شفة لمجرّد الإشارة إلى ترشيح فرنجيّة، والجميع عارفون بأنّ تسميته تبقى من قبيل المناورة، والدوران الحريريّ في فلك الأسماء تيه وتشرّد مبرمج وهو هادف به لتشريد الحدث الانتخابيّ بسبب فقدانه من ترشيد وتحفيز تحجبه نيران الحرائق المشتعلة من سوريا إلى اليمن، إلى أن تتجلّى تسوية جديدة سيكون موقع لبنان ودوره ووظيفته جزءاً منها.

بعض من زاروا دمشق في الآونة الأخيرة والتقوا فيها بمسؤولين رفيعي المستوى عادوا إلى لبنان مؤكّدين أنّ القيادة السوريّة ليست غائبة عن التفاصيل الداخلية والانتخابيّة في لبنان على الرغم من ثقل المرحلة في حلب واستمرار الحرب، وقد عبّر هؤلاء الزوار عن أنّ سوريا على الرغم من كل ذلك لا تزال ناخباً كبيراً في مسألة الانتخابات الرئاسيّة، وهي على تنسيق كبير وكيانيّ مع أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله الذي تمحضه كلّ ثقتها ومحبتها لدوره وشهامته ونبله وإخلاصه لسوريا ولبنان. ويلفت هؤلاء الى أن الرئيس السوريّ بشار الأسد أعلن بالفم الملآن للنائب سليمان فرنجيّة حينما زاره منذ أشهر عارضًا عليه ترشيحه من قبل الرئيس سعد الحريري، بأن سوريا سبق لها أن دعمت ترشيح العماد عون للرئاسة لكون ترشيحه سابقاً لأي ترشيح آخر، «وما تتفق عليه مع السيد حسن نمشي به». ويبدي السوريون هنا عتبًا شديدًا على النائب فرنجيّة، لكونه قبل ترشيحًا ممن أضمروا ويضمرون لسوريا ورئيسها الشرّ وساهموا باشتعال الحرب فيها، وهو الأخ والصديق والحليف التاريخيّ الشخصيّ للرئيس بشار الأسد. والعتاب غير محصور بدوره بفرنجية بل يطاول بنواح كثيرة الرئيس نبيه برّي في تفاصيل ترتبط حصريتها برفضه العماد عون كما ترتبط بدورها في انتظارات ورهانات بدت باطلة كان يجدر به تجنبها والحرص على عدم مقاربتها على طريقته أو طريقة وليد جنبلاط وهو المعتبر الصديق الصدوق والحليف الكبير لسوريا، جزء من جبهة الممانعة من دون طبعًا التقليل من أهمية دفاعه الظاهر عن سوريا ورفضه لما يحصل على أرضها.

كلّ هذا في حقيقة الأمر دلّ على معنى استمرار الرئيس نبيه برّي التشبّث بالنائب سليمان فرنجيّة كمرشح لرئاسة الجمهوريّة بوجه العماد عون، المنطلقات بحسب الفهم والقراءة الاستراتيجيّة ليست على الإطلاق مزاجية أو آنيّة، بل هي منطلقات دوليّة مانعة من حصول الانتخابات في ظروف تدل على شحّ في المبادرات والتسويات السياسيّة. وقد ركنت تفاصيلها المانعة وبحسب الأوساط في مرآب قصر عين التينة، ومن ركنها قصد بها التشدّد بقطع الطريق على أية مبادرة متوازنة وهادفة وحشد الطاقات في تشتيت الرؤى المتلاحمة بقوّة لدعم خيار المقاومة في لبنان، من خلال ظهرانيها المسيحيّ والشيعيّ، وكأن من سعى إلى ذلك حاول التقاط المقاومة، كما يقولون في لبنان من «الإيد يللي بتوجعا».

وفي الختام، تبقى الإشارة إلى تصريح ظهر على لسان رئيس التيار الوطنيّ الحر جبران باسيل بأنّ التيار والعماد عون لن يركعا. واللقاء الحاشد يوم الأحد القادم يحمل في جوهره تلك الصرخات المعبرة عن عدم الاستسلام والخضوع والسجود إلاّ لله وحده، ولكنّه حتمًا لن ينسى أمرين اساسيين وفاء حزب الله له والثقة العمياء الجامعة بين الرجلين الكبيرين السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون، وهو العارفة بأن حزب الله لن يفرّط بورقة التفاهم لأسباب شيعيّة بل هي المنطلق الشرعيّ بالإطار المسيحي الذي سيبقيه مقيماً في العقل المسيحيّ وقلبه، وهو عقل متناضح، ولن ينسى التياريون أن لهم حليفاً جديداً ولد من أرحامهم بعد القتال في الضلال هو القوات اللبنانيّة، والحليف الجديد منطلق من حتمية الوحدة بين المسيحيين والحفاظ على المكتسبات بلا تجزئة وتفريط، عسى أن تتلاقى المقاربات الاستراتيجيّة ضمن فهم دقيق بأن الرهان على خيارات ملتبسة في سوريا سيقضي على الخصوصيّة اللبنانية بالذاتية المسيحية المشرقية المكوّنة للبنان والمتكوّمة فيه.

إلى أين؟؟؟… إلى محطة من التأزيم المحقّ ممن يرذلون ويضحى بهم في سبيل مصالح نتنة ستحاول القضاء على الميثاقية وحرق وشاحها الذهبيّ الفريد… وفي النهاية سينقلب السحر على الساحر في لحظة سيؤخذ بها البلد إلى النتائج والمعاني المفرزة والمنقشعة خلف الغيوم السوداء حينما تصير سماء الإقليم الملتهب زرقاء كليّة الصفاء.