منذ أسبوعين توقّفت اجتماعات الأمانة العامة لقوى «14 آذار» بقرار من المنسق العام الدكتور فارس سعيد، الذي اكتفى في هذه المرحلة بالمشاركة في الاجتماعات المتواترة في بيت الوسط والتي عُقدت قبل لقاءات الحوار وتوصّلت الى توحيد الرؤية حول طريقة التعامل مع أجندة الرئيس نبيه برّي.
لا يدعو تجميد اجتماعات الأمانة العامة للاستغراب، ليس لأنّ «14 آذار» لا يوجد ما لديها لتقوله، لكن لأخذ فسحة من الوقت ومراقبة ما يجري في الداخل والخارج، بغية العمل على توحيد القراءة وترجمة هذه القراءة الى سياسة موحّدة لهذه القوى، التي تجد نفسها في موقع لا يسمح لها بأن تكتفي بالمواجهة الإفرادية، سواء على صعيد الاحزاب وعلاقتها المعقدة في ما بينها، أو على صعيد علاقة هذه الاحزاب بالقوى المدنية في «14 آذار» التي أنتَجت مجلسها الوطني بمعزل عن الأحزاب، وبعد خلاف معها على الدور والرؤية والاسلوب.
على أثر هذا التجميد، طالبت أحزاب «14 آذار»، سعيد، بالعودة الى الاجتماعات الدورية، لكنّه بدا مقتنعاً بأنّ غياب هذه الاجتماعات موقتاً، في ظلّ انعدام الرؤية المشترَكة لقوى «14 آذار» بخصوص ما يجري في لبنان والمنطقة، أفضل من عقد اجتماعات وإصدار بيانات لا تُعبّر عن هذه الرؤية الموحَّدة، خصوصاً أنّ الاجتماعات التنسيقية في بيت الوسط التي تتمثّل فيها الاحزاب والامانة العامة، جارية على قدم وساق، وهي أنتجَت اتفاقاً على طريقة التعامل مع الحوار، من خلال الإصرار على بحث الملفّ الرئاسي أولاً وعدم الانتقال الى أيّ بحث آخر، تحت طائلة الانسحاب من الحوار، وقد أثبَتت الأحزاب المشاركة في الحوار (الكتائب والمستقبل) جدّيةً كبيرة في الالتزام، ويُتوقّع أن يستمرّ الأمر على ما هو عليه في الجلسات الماراتونية التي دعا اليها الرئيس نبيه برّي في تشرين الأول المقبل.
وعلى الارجح، لن تُغيّر قوى «14 آذار» في تعاملها مع طاولة الحوار، لكن ما ينتظرها بخصوص المواجهة المستمرة مع سلاح «حزب الله» ليس سهلاً. فلقد نجحت موجة الحراك الشعبي في تغيير الأولويات حتى لدى جزءٍ من جمهور «14 آذار»، الذي شارك في التحركات الشعبية بكثافة، فيما تدنّت أولويّة مواجهة سلاح «حزب الله»، وأولويّة الحفاظ على دستور الطائف ومواجهة الانقلاب عليه، الى مرتبة أخرى، في ظلّ تراكم الازمات المعيشية، وانفجار الوضع الاجتماعي، الى درجة كادت تؤدي الى إفراغ مشروع «14 آذار» من مضمونه الحقيقي.
تبدو قوى «14 آذار» وكأنّها تُسابق الزمن في ظلّ تَسارُع في التطوّرات الاقليمية وخصوصاً في سوريا. ففي حين يشتري تيار «المستقبل» الوقت في انتظار جلاء الوضع السوري، يشتري رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الوقت أيضاً، بترتيب هدنة مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، وبالانكفاء النسبي عن لعب أيّ دور في مواجهة الانقلاب على الطائف، من عون و»حزب الله»، هذا فيما يتقدّم حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميّل خطواتٍ في التمسّك بأولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
أما الامانة العامة والمجلس الوطني الذي لم يتم تفعيله بعد، فيدوران حول نفسَيْهما، في انتظار بلورة رؤية 14 آذارية، تتجاوز مفهوم الاتقاء الظرفي والقسري، الى مفهوم الوعي لما يجري في لبنان والمنطقة، والذي يتطلّب مواجهة بأجندة موحّدة، وبرؤية تتجاوز الحسابات الضيّقة الحزبية وغير الحزبية، وتؤسس لاستعادة «14 آذار» زمامَ المبادرة بعد عشر سنوات من الإنهاك المنظّم الذي تعرّضت له.