وحده رئيس الحكومة تمام سلام شعر «بوطأة» زيارة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى بيروت، فترك البلاد الى روما فاسحا المجال للرئيس «الفعلي» للوزارة لممارسة مهامه، اما غير ذلك فلا احد من اللبنانيين تغيرت حياته، ولا احد من السياسيين ايضا شعر ان ثمة «مشروعاً» سياسياً او خطة استراتيجية يحملها الرئيس الحريري معه، والانكى من كل ذلك انه لم يحمل اي اجابة واضحة على اي من الاشكاليات المطروحة على الساحة اللبنانية. اذا لماذا عاد؟ لا احد يملك اجابات واضحة، وهل ثمة من يعرف لماذا ذهب اصلا كي يعرف لماذا رجع؟ طبعا المقربون منه لا يملكون اجابات غير «رمزية» الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، ودون ذلك لا رهانات كبيرة على «انقلاب» في المشهد السياسي، وهو ما اثبتته وقائع الساعات الاخيرة للرجل في بيروت والتي لم تحمل في طياتها اي شيء جدي يمكن التعويل عليه.
طبعا، هذه «الضحالة» في الانتاج لم تكن مفاجئة «للخصوم»، وبحسب اوساط بارزة في 8آذار، لم يكن هناك تعويل كبير على عودة الحريري الى بيروت في هذه الظروف، فالملفات القادر على البت فيها هنا، كان يديرها من «منفاه» الاختياري، وليست بحاجة الى وجوده الشخصي، وحالة انعدام القدرة على التأثير لديه ليس مرتبطة بأمر ذاتي او محلي، فهو يمثل بأمانة شديدة حالة الارباك السعودي والخليجي في المنطقة والتي تظهرت مؤخرا في صدور موقفين متناقضين من مصر في غضون اربع ساعات، وحتى يومنا هذا تجهد الماكينات الاعلامية المرتبطة بالمملكة لشرح الموقف دون ان تقدم اي اجابات مقنعة على هذا التخبط الذي يشبه ارباك الحريري في ملف مكافحة الارهاب.
وفي هذا السياق لم تستغرب تلك الاوساط تراجع «زعيم المستقبل» عن كلامه في البيال حول ضرورة بناء استراتيجية وطنية موحدة لمكافحة الارهاب، لان من كتب خطاب «زعيم المستقبل» لم يكن مدركا ان هذه «الفقاعة الاعلامية» ستتحول الى اولوية على اجندة حزب الله مع تبني الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله للمبادرة علنا، فجاء التراجع «ببلادة» غير موصوفة عندما عاد الحريري الى ربط هذه الاستراتيجية بانتخاب رئيس للجمهورية، فهل ثمة من يستطيع شرح ما هو الرابط بين هذا الاستحقاق ومواجهة الفكر التكفيري وتنظيماته المتعددة التسميات؟
طبعا لا رابط، تجيب الاوساط،ولكنه حجة واهية للهروب من هذا الاستحقاق الداهم، اما السؤال لماذا؟ فالجواب شديد البساطة، لا رغبة سعودية في تقديم العون لايران وحلفائها في المنطقة ولبنان في حرب يعتبرونها حتى الان «مستنقعا» لهم، والاولوية الراهنة ليست «داعش» وطبعا ليست «النصرة»، المهم حماية حدود المملكة اما غير ذلك «فبطيخ يكسر بعضو».
وللدلالة على هذا الامر تقول اوساط دبلوماسية في بيروت ان الرياض لم تقدم اي شيء عملي وجدي على مستوى «البيئة الحاضنة» لتلك التنظيمات وخصوصا في العراق، فالقادة السعوديون يعرفون ان الحرب العسكرية وحدها لا يمكن ان تنجح في اسقاط «داعش» فلهذا التنظيم بيئة اجتماعية وسياسية تنتمي إليها وتتغذى منها، وما لم تتدخل القوى السنية الفاعلة في المنطقة للتأثير على المكونات الاجتماعية الحاضنة لتلك الجماعات لن يحصل اي نجاح في عملية استئصال هؤلاء، لكن السعودية لا تزال عند «المربع الاول» وترى في الخطر الايراني اولوية وتمارس سياسة «ابتزاز» مكشوفة مع الاميركيين ومع مختلف القوى الاخرى لافشال الاتفاق الايراني مع الغرب، ووصلت «الامور بالسعودية» الى درجة غير معهودة من خلال تبني «المخاوف» الاسرائيلية والتلطي وراء اعتراضات بنيامين نتانياهو باعتباره الاكثر قدرة على فهم حقيقة ما يجري في «كواليس» المفاوضات النووية، للاستنتاج ان الاتفاق سيىء للغاية، وثمة كلام سمعه الاميركيون من المسؤوليين السعوديين يفيد بان المملكة ليست في وارد التعامل مع ملف «الارهاب» بشكل منفصل عن الملف النووي الايراني، فاذا كان المطلوب تأمين مصالح طهران من خلال الشراكة في استراتيجية موحدة لمكافحة الارهاب فاين المصالح السعودية في الاتفاق النووي الذي سيمنح طهران اليد الطولى في المنطقة؟ وماذا عن الملفات الاخرى الساخنة؟ واذا كانت الادارة الاميركية قد ارتضت ان تخضع للشروط الايرانية بالفصل بين الازمات فعليها تحمل المسؤولية كاملة ولن تستطيع المملكة مجاراتها في هذا السياق!.
وبحسب تلك الاوساط، فان النقاش في هذا الاطار، ما يزال عند نقطة البداية في توصيف الارهاب، فالمملكة العربية السعودية تعترض بشكل حاد على التعريف الاميركي الراهن الذي يضع نصب عينيه مكافحة «التطرف السني»، وعبثا حاولت خلال الاشهر الماضية تغيير الاولويات الاميركية، فالرياض مصرة على وضع خطر المجموعات الشيعية المقاتلة في العراق وسوريا بالتوازي مع خطر «داعش»، وينتابها الاحباط من «غض النظر» الاميركي والغربي عن «الحشد الشعبي» في العراق، والتعامل مع هؤلاء من ضمن المنظومة الرئيسية لمكافحة الارهاب. كما انها لا ترى اي رد فعل جدي حيال «تدخل» حزب الله في سوريا، وكانه اصبح من «المسلمات»، وهذا الامر يلمسه حلفاؤها في بيروت من خلال اتصالاتهم مع السفارات الغربية التي لم تبد اي اعتراضات جدية على التعاون بين الجيش اللبناني ومقاتلي الحزب في التصدي للمجموعات المسلحة في الداخل وعلى الحدود وما بعدها، وهذا يحول حزب الله الى جزء من منظومة الاستقرار على الساحة اللبنانية، ويكرس ايران «بوابة» رئيسية للاستقرار في المنطقة.
ولذلك يستمر الحريري في حملته «الدعائية» تضيف اوساط 8 آذار لتحميل حزب الله مسؤولية ما يسميه استدراج الحرب السورية الى لبنان، دون ان يتكبد عناء تحمل ولو جزء من المسؤولية عن الدور الذي ما يزال يقوم به كجزء من التحالف الراغب باسقاط النظام السوري، تلعب السعودية دور «المتفرج» ايضا، محملة الادارة الاميركية مسؤولية تفشي التنظيمات الارهابية وازدياد النفوذ الايراني في المنطقة دون ان تتوقف للحظة عند مسؤوليتها الاساسية في «تفريخ» هؤلاء «الجهاديين». لكن عنوان «الحرد» السعودي سببه الرئيسي الاندفاعة الاميركية تجاه ايران.
وهنا تكمن المعضلة الرئيسية التي تتسبب باستمرار الازمات المفتوحة في المنطقة، فثمة منظومة عربية كان تسمى يوما دول «الاعتدال» تبحث عن دور لها في زمن التحولات الكبرى، لكن حجم وقدرتها على التأثير تراجع الى حدوده الدنيا، على ما اكدته الاوساط،رغم ان قدرتها على التخريب ما تزال مرتفعة، لكن هذه القدرة لا يمكن ان تصنع الانجازات، فالسلبية في التعامل مع الازمات لن تؤدي الى اغراق «الخصوم» وحدهم في «الوحول»، فالجميع في «قلب العاصفة»، لكن التسويات لن تحصل الا بين الاقوياء عندما يحين الوقت للجلوس على «الطاولة»، و«لعبة» المصالح الدولية لا يمكن ان تدار «بالاحقاد» وانما من خلال واقعية سياسية للحد من الخسائر قبل «خراب البصرة»، واذا كانت الرياض تراهن على «تفجير» اليمن لمنع ايران من «الهيمنة» على مقدراته، فانها تغفل بان هذا «الحريق» اذا ما اندلع سيكون داخل «البيت» السعودي، وما ساهمت مع حلفائها في اشعاله في سوريا انتقل اليوم الى خارج الحدود، ولم يعد احد بمأمن من التداعيات، والحال نفسه ينطبق على الحلفاء في بيروت الذين ينتظرون «خسارة» رهانات حزب الله في سوريا، ويراهنون على خسارته للمعركة هناك لاضعافه في الداخل، ويبدو هذا جليا في المواكبة الاعلامية المهللة لخسارة موقع في قرية هنا، او شارع هناك، وكل هذا ينم عن «قصر نظر» وعدم فهم للبعد الاستراتيجي لهذه الحرب التي يعرف حزب الله كيف سينتصر فيها بعيدا عن الاوهام، اما انعدام جدية الحريري في بناء استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب فلا تحتاج الى دلائل بان ما قاله مجرد «زلة لسان»، ويكفي الاستماع الى وسائل اعلامه التي ما تزال تتبنى «ثورة» «وثوار» لم يعد لهم وجود في سوريا، او الاستماع الى تصريحات احد وزرائه المتخصص «بصب الزيت» على «نار» الفتنة المذهبية.