IMLebanon

لماذا اختار “حزب الله” مزارع شبعا للرد على ضربة القنيطرة؟

      

لم تكن “تجربة” القنيطرة الاسرائيلية ورد فعل “حزب الله” عليها في مزارع شبعا الاختبار الاول للقوة والأكثر ضراوة بين الطرفين في الاعوام الثلاثة الماضية على وجه التحديد، وبطبيعة الحال لن تكون النقطة على آخر السطر.

فمنذ اشتعال فتيل الأزمة في الساحة السورية والتيقن من أن الاوضاع هناك سائرة الى المواجهات المفتوحة على كل ألوان الصراعات وكل صنوف الاحتمالات السلبية، ومنذ انخراط الحزب التدريجي في تفاصيل الميدان الملتهب هناك كدليل يؤذن برغبته في توسيع دائرة المهمات التي يتنكبها وتطوير الدور الاقليمي الذي يضطلع به والذي صيّره قوة اقليمية يفزع اليها محوره في الملمات والمنعطفات، كانت تل أبيب بالمرصاد، فهي ما لبثت ان اندفعت الى اللعبة نفسها منطلقة من خلفيات جوهرها ان الوقوف موقف المتفرج والمنتظر هو حساب استراتيجي خاطئ، وان الاندفاع الى الميدان المشتعل والمنطوي على احتمالات التشلع والتشظي في تكرار لتجربة “الجدار الطيب” مع الجنوب اللبناني غداة اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية، رهان مكلف لكنه ممر اجباري ومعبر وعر لا بد من سلوكه لدرء التداعيات التي في ظهر الغيب.

على هذا الأساس كان يتعين على اسرائيل أن تقدم على خطوتين في آن:

– ان تفتح خطوط التواصل وقنوات الاتصال مع مجموعات اختارت خط المواجهة العسكرية مع النظام السوري ومستعدة للتحالف مع كل “شياطين الارض”، واستطراداً للانخراط في الاستراتيجية الاسرائيلية.

– العمل على مواجهة قوة الحزب العابرة لحدود فعلها المعهود حتى وإن اقتضى ذلك الذهاب الى المغامرة المفتوحة.

وفي الخطوة الثانية اندرجت جملة اختبارات قوة ومحطات تحد لجأت اليها اسرائيل في الداخل اللبناني وفي سوريا اتصفت بالشراسة واتسمت بالحاق الأذى بالحزب، أبرزها:

– العودة الى الحرب الامنية مع الحزب من خلال اغتيال القيادي المتمرس حسان اللقيس.

– رفع منسوب التدخل المكشوف في الفناء الداخلي للحزب من خلال زرع اجهزة تنصت في مناطق حساسة ومن خلال العمل الجاد والدؤوب لاختراق الرأس العسكري والجسد التنظيمي للحزب، وكان الأمر مكلفاً للأخير.

– العودة الى تسليط الاضواء على الخطر الذي يشكله الحزب من خلال تضخيم قوته الصاروخية وترسانته العسكرية.

وفي الميدان السوري كان التدخل الاسرائيلي اكثر فجاجة ووحشية عبر غارات الطيران المتكررة على اهداف منتقاة بعناية والاعلان عن انها جزء من عمل سيتكرر لسد المنافذ امام تسرب صواريخ واسلحة كلاسيكية وكاسرة للتوازن الى “حزب الله”.

وثمة معلومات ذكرت ان الغارة الأخيرة للطيران الاسرائيلي على محيط دمشق كانت موجعة للحزب كونها طاولت مواقع وقوافل ومخازن عائدة له.

كان القرار الاسرائيلي واضحاً للدوائر الراصدة للعقل الاستراتيجي للحزب من وراء تصعيد اللعب مع الحزب، ويرمي الى الآتي:

1- الاعلان عن استعداد تل أبيب للذهاب بعيداً في خيار المواجهة مع الحزب وملاحقته حتى الى الملعب السوري واغراقه في رماله المتحركة عبر الدعم المباشر للمجموعات السورية المقاتلة والمعادية له.

2- اظهار الحزب في موقع العاجز عن الرد والفعل، وبمعنى آخر ارادت اسرائيل ان تكرس أمرين: الأول تأكيد مقولة سرت بعد صدور القرار الدولي 1701 بأن سلاح الحزب سيصير خردة وان مخازن صواريخه سيعلوها الصدأ كون الحزب صار عاجزاً عن ممارسة لعبته على الحدود كما قبيل حرب تموز.

والثاني جعل انخراطه في الميدان السوري عملية باهظة الكلفة وقاصراً عن الاقدام وعاجزاً عن الاحجام والانسحاب في آن واحد.

في الفترة الاولى تبدى للكثيرين ان الحزب غير قادر على التكيف بسلاسة مع خطوات التحدي الاسرائيلي على نحو فسره البعض انه تأكيد للارباك وانجرار الى الفخ المنصوب وانزلاق الى المستنقع. لكن الحزب سرعان ما تدرّج في الرد ولكنه بقي رداً محدوداً دون المستوى في نظر البعض.

ومن أبرز هذه الردود:

– عملية متفجرة اللبونة قرب الناقورة في أقصى الجنوب اللبناني، والتي كانت عبارة عن شرك الغام دقيق حقق مبتغاه في اصابة جنود اسرائيليين واخترق بتقنية وحرفية عالية الاحترازات الاسرائيلية، لكن حسابات الحزب اضطرته الى عدم تبنّي العملية صراحة في حينه.

– العبوة الناسفة في مزارع شبعا في الصيف الماضي والتي أعلن الحزب مسؤوليته عنها لاحقاً على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله.

– عمليات (قصف وعبوات واطلاق نار) على اهداف اسرائيلية في منطقة الجولان المحتل مقرونة باعلان الاستعداد لتحويل هذه المنطقة خط تماس ساخناً ومفتوحاً مع الاسرائيليين على غرار الجنوب ما قبل أيار عام 2000.

– وعليه بدا الحزب، وخصوصاً بعد ابتكاره مصطلح الحساب المفتوح، في واقع المنكفئ عن مواجهة التحدي الاسرائيلي، وهو واقع أغرى اسرائيل في المضي قدماً في لعبتها والاندفاع اكثر الى ان أتت عملية القنيطرة في 18 الجاري كذروة للهجوم الاسرائيلي على الحزب ومحوره ودوره مستقبلاً وماضياً.

بدا لبعض العارفين بالعقل العسكري الاسرائيلي ان تل أبيب اختارت خيار “الصولد” في لعبة التحدي للحزب، فاذا لجأ الحزب الى بند الحساب المفتوح واذا أرجأ الرد تكون القيادة الاسرائيلية قد نجحت في تطويع الحزب وفي تكبيل يديه وكبح جماحه أمام خصومه وأمام مريديه على السواء، مما يمهد لها الانتقال الى خطوتها التالية.

وعليه كان رد الحزب الدقيق والمدروس والآخذ في الاعتبار كل الاحتمالات في مزارع شبعا للمعطيات والاسباب الآتية:

– انه يرد مباشرة على كل الذين ذهبوا بعيداً في رهانهم على عجز الحزب عن الرد انطلاقاً من ان القرار 1701 قد جعل يدي الحزب مغلولتين تماماً.

– ان استغراقه في الميدان السوري ونزفه المستمر هناك الى درجة فقدانه وفق تقديرات نحو 900 عنصر محترف، هو سبب اضافي يحول دون فتحه باب المواجهة مع تل أبيب.

– لأن ثمة من كان يراهن ويبني حساباته على أساس ان الحزب سينقل كل قوته المقاتلة وكل فعله الى الساحة السورية ويجعلها شغله الشاغل فتصير معها منطقة القنيطرة خط مواجهته الحصري مع اسرائيل.

وهكذا عاد الحزب من خلال عملية المزارع أخيراً الى ساحة فعله الأساسية في الجنوب، وهو يبعث الى من يعنيهم الأمر رسالة في كل الاتجاهات فحواها انه وخلافاً لكل التوقعات والرهانات ما برح متحكماً باللعبة ومالكاً لزمام الأمرة، خصوصاً انه اتبع في هذه العملية تكتيكات عسكرية تنم عن احترافية عالية وقدرة على خرق الاجراءات والتدابير الامنية والعسكرية الاسرائيلية.

وأيضاً يمكن الحزب القول إنه أضاف الى سجله مكسباً جديداً في لعبة كسر الارادات المزمنة بينه وبين الكيان العبري، وبمعنى أدق أعاد اللعبة الى التوازن الذي يشتهيه والقواعد التي تتواءم مع استراتيجيته ورسم مشهداً فيه الجديد وفيه المكرر، لكن الأكيد ان ثمة محطة جديدة.