IMLebanon

لماذا لم يُبادر «حزب الله»؟

لماذا لم يبادر «حزب الله» إلى حلّ المأزق الذي واجه الجلسة التشريعية؟ ولماذا أخلى الساحة للرئيس سعد الحريري؟ وأين مصلحته بأن يكون الإخراج حيال المسيحيين سنّياً لا شيعياً، خصوصاً أنّ فريق ٨ آذار تخصّص بتحريض المسيحيين على «المستقبل» بكونه «سالبَ حقوقهم؟ وماذا لو لم يبادر الحريري؟

الثنائي الحزبي المسيحي المتمثِّل بـ«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» كان يبحث منذ اللحظة الأولى عن تسوية وليس عن «مشكل»، بدليل الاتصالات واللقاءات مع الرئيس نبيه بري من أجل إضافة بند قانون الانتخاب كمخرج شكلي يُصار بعده في الجلسة التشريعية إلى ترحيل رئيس المجلس هذا الملفّ إلى لجنة خاصة لبحثه، وبالتالي شروط هذا الثنائي كانت شكلية لا تعجيزية.

وعندما استحال هذا المخرج في ظلّ إصرار بري على توقيت الجلسة وجدول أعمالها، وغياب أيّ إشارة من جانب «حزب الله» بانه سيتدخّل للتجاوب مع مطلب حليفه المسيحي، وبلوغ التصعيد مرحلة متقدِّمة تُنذر بإحياء الانقسام الطائفي، جاءت مبادرة الحريري المزدَوِجة: التعهّد بإقرار مشروع استعادة الجنسية بمعزل عن كلّ ملاحظات وتحفظات فريقه السياسي وفرقاء آخرين، والتعهّد بعدم المشارَكة في أيّ جلسة تشريعية مقبلة ما لم يُدرج قانونُ الانتخاب في طليعة بنودها.

وقد اعتبر الثنائي الحزبي ما تحقق بأنه يستجيب لشروطه لجهة تمريره أحد المشروعين المطروحين الذي كان بحكم الساقط، لولا دخوله في هذا الكباش السياسي، وتوسيع جبهته المطالبة بإقرار قانون الانتخاب بضمّ تيار «المستقبل» الذي قطع بتعهّده الطريق أمام أيّ جلسة تشريعية مقبلة لا تضع قانون الانتخاب بنداً أولاً على جدول أعمالها.

وإذا كان الحريري حرص بموقفه على التوفيق بين إرضاء بري بعدم الذهاب إلى حدّ التطابق مع الموقف الثنائي الحزبي المسيحي ما يؤدّي إلى تعطيل الجلسة وكسر إرادة رئيس المجلس بعقدها في توقيتها، وبين إرضاء الثنائي الحزبي المسيحي بالربط معه في أيّ جلسة لاحقة، فإنّ تدخّله أدّى إلى إنقاذ الموقف ليس فقط لجهة العلاقة مع «القوات»، إنما أيضاً لناحية تجنيب البلد انقساماً من طبيعة طائفية.

وإذا كان منطق التسوية يتطلب باستمرار الوصول إلى مساحة مشترَكة، فلا يُكسر هذا الطرف ولا ذاك، إنما السؤال الأساس يبقى عن ماهية الأسباب التي جعلت «حزب الله» ينأى بنفسه عن المأزق التشريعي الذي كان سيقود إلى مواجهة طائفية حتمية، وبالتالي نقل البلد من مرحلة إلى أخرى؟ وفي الإجابة تبرز الاحتمالات الآتية:

أولاً، «حزب الله» لا يخشى على علاقته مع عون لسببين: لأنّ أولوية عون الرئاسية تجعله يتجنب القطع مع الحزب خشية أن يتخلى عنه ويدخل في تسوية رئاسية، وبما أنّ أولويته الدخول إلى قصر بعبدا لا يوجد ما يجعل العماد عون يقطع مع الحزب. والسبب الثاني لأنّ الحزب يعتبر بأنّ ما سلّفه ويسلِّفه لعون أكثر من كاف.

ثانياً، «حزب الله» لا يستطيع إعطاءَ كلّ شيء لعون على حساب بري، فعمد الى التوفيق بينهما على قاعدة الوقوف خلف عون في رئاسة الجمهورية والحكومة، وخلف بري في مجلس النواب.

ثالثاً، ما ينطبق على الرئاستين الأولى والثالثة لا ينسحب على الرئاسة الثانية، حيث إنّ الحزب يساهم بتعطيل رئاستَي الجمهورية والحكومة تجاوباً مع عون، ولكنه لا يقبل بتعطيل مجلس النواب خلافاً لإرادة بري.

رابعاً، للحزب مصلحة في عودة العصب المسيحي من الباب التمثيلي، كونه سيُصرف بتعبئة المسيحيين واستنفارهم من أجل تحسين شروط تمثيلهم داخل الدولة، وليس تحسين شروط استعادة الدولة لمقوّماتها السيادية، ما يعني أنّ المواجهة لن تكون مع سلاحه، بل مع «المستقبل» و»الاشتراكي».

خامساً، الاشتباك المسيحي-الإسلامي يُفقد «المستقبل» شريكه المسيحي، فيما يحافظ «حزب الله» على شريكه المسيحي للأسباب المُشار إليها أعلاه وفي طليعتها حاجة عون للحزب، وبالتالي في حساباته تشكل مواجهة من هذا النوع مطلباً استراتيجياً بفك التحالف بين «القوات» و»المستقبل».

وتأسيساً على ما تقدّم، جاءت مبادرة الحريري لتقطع الطريق على انزلاق البلاد إلى مواجهة طائفية، وعلى فرط تحالف 14 آذار، هذا التحالف الذي يمرّ بمرحلة من انعدام الوزن، ومن تجلياتها الأخيرة عدم التزام مكوّناتها بالتصويت لمرشح «القوات» بيار حنا إلى مركز نقيب المحامين، والتي لا بدّ من أن تترك تداعيات سلبية تُضاف إلى مناخات عدم الثقة القائمة.

وفي موازاة الاعتبارات المذكورة يسجل للسيد نصرالله في المرحلة الأخيرة مواقفه التبريدية والانفتاحية وآخرها دعوته إلى تسوية على قاعدة السلة المتكاملة، لأنّ التسوية بالمفرق أثبتت عدم نجاح وفعالية، وأنه حان الوقت للذهاب إلى تسوية بالجملة، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل كلام نصرالله قابل للترجمة العملية؟

فالمدخل للسلة المتكاملة، كما قال الحريري، هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي هل الحزب في وارد التخلي عن عون لمصلحة تسوية رئاسية وخسارة الغطاء المسيحي؟ بالتأكيد كلا، إلّا في حال قرّر عون الخروج من المعركة إرادياً، وهو لا يبدو في هذا الوارد، أو في حال تعرّض الحزب لضغط إيراني استثنائي، ولا يبدو أنّ هذا الضغط موجود أقله حتى اللحظة.

ومن هنا لا أفق لمبادرة أمين عام «حزب الله» في المرحلة الحالية والتي تدرج فقط في سياق التهدئة السياسية الداخلية، إذ ما حاجة الحزب اليوم إلى انتخابات رئاسية تفقده عون ولا تعطيه أيّ شيء بالمقابل، لأنّ الانتخابات الرئاسية لن تضع حداً للتفجيرات الإرهابية، بل ما يردع هذه التفجيرات علاقته مع «المستقبل» وعمل الأجهزة الأمنية ضمن استراتيجية واحدة لمكافحة الإرهاب، الأمر القائم اليوم وبقوة، وقد نجحت الثنائية السنّية-الشيعية بتوفير الاستقرار على رغم الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد منذ الفراغ الرئاسي، وبالتالي لم يحن الوقت بعد ليتخلّى عن عون، كما لم تصبح التسوية السياسية حاجة بالنسبة إليه، خصوصاً أنه ليس بوارد الخروج من سوريا في المدى المنظور، بل أكد تصميمه على مواجهة «داعش» في كلّ المعمورة.

فأولويته الرئاسية ما زالت مسيحية-عونية، وأولويته الأمنية ما زالت سنّية-مستقبلية، وبالتالي وبالتالي لن يبدّي أولوية على أخرى في المرحلة الحالية، بل سيبقى ساعياً إلى التوفيق بين الأولويّتين إلى حين بروز معطيات إقليمية من طبيعة استراتيجية والتي لا تبدو مؤشراتها قريبة، ما يعني استمرار الوضع الحالي من دون رئيس ولا سلة حتى إشعار آخر.

لماذا نأى «حزب الله» بنفسه عن المأزق التشريعي الذي كان سيقود إلى مواجهة طائفية حتمية وأخلى الساحة للحريري؟