Site icon IMLebanon

لماذا يحيد حزب الله نفسه

تصرّ القوى السياسية التي تُعرقل انطلاقة عهد العماد ميشال عون عن طريق عرقلة تشكيل الحكومة، على موقفها رغم أنّ ذلك يقود البلاد الى نوع من الشلل في ظلّ انتظار الرئيس عون ولادة حكومة عهده الأولى التي تجمّدت حالياً، على ما يبدو، بسبب المناكفات والكيديات السياسية وليس التمسّك بهذه الحقيبة أو تلك. لكن العماد عون لن يرضى بأن تستمر حكومة تصريف الأعمال لأشهر إضافية بعد خصوصاً أنّها لا تجتمع ولا تتخذ أي قرارات لإنقاذ البلاد من مشاكلها العالقة.

ووسط التناحر ظاهرياً على الحقائب الوزارية، وتوكيل كلّ من رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية من جهة، و«حزب الله» من جهة أخرى، رئيس مجلس النوّاب للتفاوض باسمهما على حصة كلّ منهما في الحكومة الجديدة، تتساءل أوساط ديبلوماسية: لماذ قرّر «حزب الله» الذي كان أول من أعلن تأييد ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية كونه حليفه المسيحي الذي لم يخذله يوماً منذ أن وقّع معه «ورقة التفاهم» في كنيسة مار مخايل- الشيّاح في 6 شباط 2006، تحييد نفسه عن تأليف الحكومة، وهو يعلم تماماً أنّها تُشكّل الحجر الأساس لانطلاقة قوية للعهد؟!

حتى الآن، يلتزم الطرفان ببنود «ورقة التفاهم»، ولم يحصل بينهما على مرّ السنوات العشر الماضية أي شائبة تشوّه هذه الورقة ومضمونها، والدليل الأكبر أنّ «كتلة الوفاء للمقاومة» انتخبت العماد عون رئيساً للجمهورية لتُقفل باب الشكوك عن كلّ ما قيل بأنّ ترشيح الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، العماد عون للرئاسة هو صوَري، أو يأتي من زاوية التمويه لكي لا يُتهم الحزب بعرقلة الإستحقاق الرئاسي. كذلك فإنّ الحزب فضّل العماد عون القريب من 8 آذار، على حليفه من ضمن فريقه السياسي النائب فرنجية، كونه يُشكّل الضمانة الكبرى له، فما الذي جرى بعد الإنتخاب لينأى الحزب بنفسه عن دعم عهد العماد عون؟

الأسئلة كثيرة، والمعطيات كذلك. لقد قرّر «حزب الله»، بحسب رأيها، تمرير الإستحقاق وإيصال العماد عون الى قصر بعبدا، انطلاقاً من قناعته بأنّه الأقوى على الساحة المسيحية، ولهذا يجب أن يصل. غير أنّ الحزب فرمل دعمه للعهد، يوم تحالف العماد عون مع رئيس «تيّار المستقبل» الشيخ سعد الحريري، ليس بسبب التحالف بحد ذاته، سيما وأنّ الحزب كان يُجري الحوار الثنائي مع المستقبل، إنّما لأنّ الرجلين توافقا في أحد النقاط على «تحييد لبنان عن صراعات المنطقة»، الأمر الذي اعتبره الحزب ضدّ قتاله في المعارك السورية. علماً أنّ العماد عون وقبل أن يُنتخب رئيساً أعلن مرّات عدّة أنّه «لا يؤيّد مشاركة «حزب الله» في المعارك الجارية في سوريا»، ونقطة عالسطر.

ويمكن اعتبار «تحييد لبنان عن صراعات المنطقة»، عنواناً مطمئناً للشعب اللبناني، على ما أضافت، الذي عانى الأمرين من سنوات الحرب الطويلة، ولا يريدها أن تتكرّر في بلاده، أو أن تؤثّر تداعيات هذه الصراعات على الوضع الداخلي. ولكن مع الأسف فقد كان للأزمة السورية تداعيات سلبية عليه، إن لجهة النزوح السوري الكثيف الذي لم يعد باستطاعة لبنان تحمّل أعبائه، أو لجهة الإرهاب الرابض على حدوده والذي يقف له الجيش بالمرصاد طوال الوقت، منعاً لتنفيذ عمليات إنتحارية في المناطق الداخلية.

غير أنّ الحزب الذي ارتأى أنّ ما يجري في سوريا يدخل من ضمن معركته، وحمايته لظهر لبنان والمقاومة فيه، قد يكون رأى أن هذا البند مصوّباً ضدّه، ولهذا لم يسعَ الى المساهمة في تسريع تأليف الحكومة، على ما تعتقد الأوساط نفسها، علماً أنّه لا يقف حائلاً دون تشكيلها، لأنّه غير طامع بحقائب وزارية معيّنة دون الأخرى. ما يهمّ الحزب هو بقاء المقاومة، وبقاء السلاح بيدها للدفاع ودرء المخاطر المحيطة، كما لتحرير ما تبقّى من الأراضي اللبنانية لا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر من الإحتلال الإسرائيلي.

وهنا تكمن نقطة الخلاف «غير المعلنة» بين الحريري والحزب، ولهذا لم يقم الحزب بالضغط على حليفيه برّي وفرنجية لتسهيل تأليف الحكومة، كونه يخشى من أن يتضمّن «البيان الوزاري» للحكومة الجديدة، عبارات لا تضمن بقاء المقاومة وسلاحها. فالحكومات السابقة، ورغم التزامها بمبدأ «النأي بالنفس»، أو بـ «تحييد لبنان عن صراعات المنطقة»، لم تبخس على المقاومة حقّها في الدفاع عن لبنان فذكرتها في عبارة «الجيش والشعب والمقاومة».

ولكن هذه الخشية، قد لا تبدو في مكانها الطبيعي، على ما رأت، خصوصاً وأنّ العماد عون الذي سُمي «أب الجميع» فور انتخابه رئيساً، ويريد إشراك الجميع في الحكم، لن يُفرّط بالمقاومة، وإن كانت تُشارك في المعارك السورية من دون رضاه على هذا الأمر. فالرئيس يعلم تماماً، أهمية الجيش من جهة، والمقاومة من جهة ثانية، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات التي يُعاني فيها العالم من الإرهاب ولم يتمكّن بعد من القضاء على التنظيمات الإرهابية بشكل نهائي. وينتظر البعض عهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لمعرفة كيف سيقوم بالقضاء على هذه المجموعات.

كذلك فإنّ الحزب الذي ارتضى المشاركة في حكومة الرئيس الحريري، دون أن يضع شروطاً مسبقة على الحقائب الوزارية التي سينالها، سوف يُكمل الحوار مع «تيّار المستقبل»، الأمر الذي من شأنه التخفيف من الإحتقان الشيعي. علماً أنّ «الثنائية المسيحية» التي يخشى منها برّي، قبل الحزب، ليست موجّهة ضدّ أحد في لبنان، لا الطائفة الشيعية، ولا السنيّة، ولا الدرزية، ولا أي طائفة اخرى، بقدر ما تسعى لاستعادة حقوق المسيحيين التي هُدرت طوال السنوات الماضية.

في المقابل، يخشى «حزب الله»، على ما أشارت الأوساط ذاتها، من التحالفات النيابية المقبلة، في حال تشكّلت الحكومة الأولى للعهد لكي ترافق عملية إجراء الإنتخابات، والتي ستحصل حتماً بين «التيّار الوطني الحرّ» و«القوّات اللبنانية» و«تيّار المستقبل»، ولكن هذه التحالفات لن تُشكّل «انقلاباً» عليه، بل قد تضمّه اليها في بعض المناطق والبلدات حيث يكون وجوده ضرورياً. والجدير ذكره أنّ أي طرف لم يقل إنّه يريد إلغاء الحزب، أو أي طرف آخر مشارك في السلطة، في عهد العماد عون، ولن يتمّ تأليف الحكومة بمن حضر، بل بإرضاء جميع المكوّنات السياسية، ولا تريد حكومة الحريري تطيير الإنتخابات النيابية بل على العكس تماماً، فما الذي يجعل الحزب إذاً واقفاً على الحياد سياسياً، وهل هو في انتظار أمر ما؟!