قطعت العملية التي استهدفت دورية إسرائيلية في مزارع شبعا أمس والتي نسبها «حزب الله» الى مجموعة «شهداء القنيطرة» الشك باليقين بأنّ الرد جاء سريعاً، فلماذا اختيرت منطقة شبعا مسرحاً للعملية؟ وفي أيّ ظروف؟ وما هو الدافع؟
فتحت السيناريوهات التي رافقت التهديد الذي أطلقه ثلاثي دمشق – طهران و»حزب الله» برد لا بدّ منه على «غارة القنيطرة» جدلاً حول نقاط القوة والضعف على جبهتَي الجنوب اللبناني والجولان المحتل في حال اللجوء الى الرد براً. ولإجراء مقارنة حول نقاط القوة والضعف في أيّ منهما: المنطقة المحكومة بالقرار 1701 أم خط الهدنة القائم منذ حرب العام 73؟
تقول مراجع ديبلوماسية وقانونية إنّ البحث في أهمية القرارَين يدفع الى اعتبارهما متساويَين. فهما من قرارات مجلس الأمن الدولي ولهما المفاعيل نفسها بالمعايير السياسية والديبلوماسية نفسها.
فالقرار 1701 استند الى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة من هدنة العام 49 الى القرار 425 وما بينهما قرار إنشاء قوات حفظ السلام الدولية («اليونيفيل») وصولاً الى الخط الأزرق الذي رسم عام 2000.
في ما يعدّ خط الهدنة في الجولان المحدَّد عقب حرب 1973 نسخة منقحة عن خط هدنة العام 67 وبالإستناد الى القرارات ذات الصلة وقرار تشكيل فريق المراقبين الدوليين «الأندوف» وصولاً الى القرارات التي فرضت هدنة أخرى وترسيماً لمنطقة عازلة.
وبناءً عليه، تقول المراجع الديبلوماسية إنّه طالما لهذين الخطين الأهمية نفسها وهي تعتبر الوقوف على الأبعاد الجيو – سياسية والعسكرية امراً ملحاً، طرحت معادلة تستند الى ما هو أبعد من النصوص لتلامس موازين القوى لدى طرفَي المواجهة.
وإن كان ثمة وجود كثير من المعطيات التي تمنع طهران ودمشق كما «حزب الله» من الرد عبر جبهة الجنوب المحكومة بالخط الأزرق لألف سبب وسبب، أقله بأنّ الإعتداء الإسرائيلي لم يطاول أراضي لبنانية. واتخذت المعايير عينها عندما تمّ البحث في الرد عبر الجولان ومنطقة «الأوندوف» تحديداً.
فكان أن وقع الخيار على «المنطقة المتنازع عليها بين خطَي الهدنة»، وكانت منطقة شبعا مسرحاً للعملية فاتُخذ القرار على عجل، بعد قراءة أظهرت أنّ الإنتشار الإسرائيلي فيها سهل، ويمكن اختيار الهدف بالسرعة التي يقتضيها الظرف للردّ سريعاً قبل أن تجف دماء شهداء القنيطرة.
وتزامنت هذه القراءة مع حصيلة نقاش سوري ـ ايراني شارك فيه «حزب الله» حول أهمية أن يكون الردّ من الجولان المحتل قبل البحث في اختيار أيّ منطقة من العالم طالما أنّ المواجهة مع اسرائيل انتقلت الى ساحات أخرى من الأرجنتين الى بلغاريا والى دول اميركا اللاتينية.
وعلى هذه القاعدة تقول المصادر الديبلوماسية إنّ للرد عبر الجولان المحتلّ نتائج مباشرة على سياق ما يجري من عمليات عسكرية في قلب سوريا وأطرافها، ما يؤدّي الى طرح اسئلة تتناقض الأجوبة عليها وإن التقت على معطى واحد بعدم قدرة سوريا على تحمّل مثل هذه العملية في ضوء أسئلة وجيهة ومنها:
هل إنّ من مصلحة النظام في سوريا شراء جبهة جديدة مع اسرائيل عبر الجولان؟ فكان الجواب باستحالة القيادة السورية أن تديرها فصرف النظر عنها بلا نقاش.
وهل إنّ فتح مثل هذه الجبهة مع العدوّ سيغيّر من مواقف بعض الأنظمة العربية؟ وهل ستبقى شعوبها تتفرّج من دون أن تدعم النظام الذي يخوضها مع عدوٍّ هو الأول والنهائي في ثقافتها ووجدانها؟ فكان الجواب أن لكلّ عربي همه اليوم و»الهمّ ساكن في داره ولا يبالي بما عند جاره».
وهل ستغيّر مثل هذه المواجهة من مواقف الجماعات المسلَّحة التي تقاتل النظام وتتجاهل وجود هذا العدوّ على الحدود الجنوبية للبلاد؟ فكان الجواب أنّ هذه المجموعات لم تجرح إسرائيلياً بعد. لا بل إنّ إسرائيل تداوي جروح المئات منهم وليس العكس.
وهل لدى الجيش السوري الذي أنهكته الحروب الداخلية القدرات الكافية بالحدّ الأدنى للمواجهة المتكافئة المطلوب خوضها؟ وهل ستبقى روسيا على موقفها من هذا النظام في حال وقعت الواقعة؟ فكان الجواب أنّ مستوى القدرات القتالية للجيش السوري تراجعت الى الحدود الدنيا وهي مكلِفة لا يتحمّلها مَن ليس قادراً على السيطرة على عاصمته وريفها ومطارها.
ولكلِّ هذه الإعتبارات كان القرار باستغلال ثغرة شبعا الواقعة على مثلث الأراضي السورية ـ اللبنانية ـ الفلسطينية المحتلة ولا تقع تحت ولاية «اليونيفيل» ولا «الأوندوف» فحصل ما حصل. أمّا التداعيات فأمر آخر والحديث عنها يحتاج الى أيام من التريث لتبيان حجم الردّ الإسرائيلي ومقتضيات الضغوط الدولية التي لا تريد مزيداً من بقع التفجير في المنطقة.