Site icon IMLebanon

لماذا ضربَت «القاعدة» مجلّة «شارلي إيبدو»؟

خلال الأسبوع الماضي زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الجزائر. حملت هذه الزيارةُ الروحيةَ نفسَها التي واكبَت زيارتَه السابقة إلى الجزائر في كانون الثاني 2012. هذا التقدير أبلغَته إلى «الجمهورية» شخصية فرنسية كانت رافقَت هولاند في زيارته عام 2012، وكشفَت أنّها جرت آنذاك على وقع تباين الجزائر مع فرنسا حيال ما يُسمّيه الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة «وحدة معايير الموقف من الإرهاب». ويُضمر هذا المصطلح وجودَ عدم رضى جزائري من سياسة باريس التي تكيلُ بمكيالين مع الإرهاب، فبينما تحاربه وتدينه في مالي، فهي تغضّ الطرفَ عنه في سوريا.

تقول الشخصية الفرنسية عينها إنّ هولاند سمعَ في الجزائر الأسبوع الماضي، السؤال نفسَه الذي كان وجّهه إليه بوتفليقه عام 2012، ومفادُه: «لماذا تحاربون الإرهاب في مالي ولا تأخذون الموقف نفسَه من توأمِه في سوريا؟!».

وتلاحظ الشخصية عينُها أنّ سؤال بوتفليقه لشريكِه هولاند في مكافحة الإرهاب في افريقيا، هو منذ فترةٍ محلّ نقاش داخلي وغير معلن في فرنسا، لكنّه يتّسِم بالسخونة. وهو يَجري تحديداً بين الاجهزة الامنية والعسكرية الفرنسية من جهة ووزارة الخارجية الفرنسية ومعها الإليزيه من جهة ثانية.

وتُصِرّ دوائر كلّ مِن هولاند ووزير الخارجية لوران فابيوس في إطاره على تعريفٍ للإرهاب يفيد بأنّه حصراً تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وما عداها هو «إسلام معتدل» خلا استثناءات قليلة ومحدّدة بظروف معيّنة.

والواقع أنّ جوهرَ هذا الجدل منشَؤه تبايُن حاصِل في فرنسا حيال موقع «جبهة النصرة» داخل «التعريف العملي» لسياسة باريس الخاصة بمواجهة الإرهاب، وليس فقط لموقعها وفقَ ما هو معلن في لوائح الإرهاب الرسمية الفرنسية التي تدرج «النصرة» جَنباً إلى جنب مع «داعش» كفصيلين إرهابيَين.

وتكشف الشخصية عينُها لـ«الجمهورية» عن تطوّرَين أساسيَّين حصَلا أخيراً في فرنسا، وأدّيَا إلى زيادة سخونة هذا النقاش بين جهتَي الأمن والخارجية، وذلك انطلاقاً من طرح مقولةِ إنّ مهادنة الإرهاب بصرفِ النظر عن الأسباب السياسية لذلك، تؤدّي إلى تعريض الأمن القومي لأخطار كبيرة:

تَمَثَّلَ التطور الأوّل بسؤال وجَّهَته جهةٌ استخباراتية فرنسية عن حقيقة المعلومات التي تفيد بأنّ «وحدة العمليات الخاصة في الاستخبارات الفرنسية الخارجية» أوصَلت صواريخ «ميلان» الفرنسية المضادة للدروع ورشاشات فرنسية الصنع الى «جبهة النصرة» في سوريا.

وبحسَب المصدر عينِه فإنّ النقاش حول إثبات هذه القضية من عدم صحّتِها، يَستعر منذ فترةٍ في الكواليس الفرنسية بين الأطراف المعنية به. كما يَتزامن مع قيام الجهة الأمنية المعنية بإثبات هذه القضية، بإجراء عملية تعَقّب استخباراتي لجَلاء حقيقة الطريقة التي تمّ بها إيصال السلاح الفرنسي الى «النصرة» في سوريا، وتحديداً هل حصلَ ذلك عن طريق الأردن أم إسرائيل؟ّ

أمّا التطوّر الثاني فتَمثّلَ بتعاظم المؤشرات التي تظهِر أنّ خلافَ شركة «توتال» في اليمن مع تنظيم «القاعدة» في محافظة حضرموت، يشَكّل أحد الأسباب المهمة التي تقف وراء تنفيذ الأخوين سعيد وشريف كواشي جريمتَهما الإرهابية ضد مجلة «شارلي إيبدو».

وفي تفاصيل متّصلة بهذا الملف، يكشف المصدر الفرنسي أنّ شركة «توتال» في اليمن كانت تقدّم حزمةً مِن المساعدات إلى اليمنيّين المحَلّيين الذين تعمل في مناطقهم وخصوصاً في شرق اليمن حيث يوجد نفوذ كبير لتنظيم «القاعدة».

وكانت «توتال» التي بدأ وجودها في اليمن عام 1987، أطلقَت مشاريعَ إنمائية عدة في مناطق عملِها للتنقيب واستخراج النفط والغاز في اليمن، منها مثلاً مشروع «الريان» الذي يقدّم قروضاً صغيرة إلى أبناء تلك المناطق، وكانت «توتال» أيضاً وضعَت رؤيةً لجَعلِ جميع عمّال شركتها في اليمن من اليمنيّين. كما أنّها كثّفَت من تدريب المحَلّيين من أبناء مناطق حضرموت ليعمَلوا في الشركة.

ولكنّ هذا المسار بحسَب المصدر الفرنسي، كان يَسير بسَلاسة خلال فترة توَلّي المدير العام لشركة «توتال» في اليمن، شخص فرنسي من أصل فلسطيني (حاتم نسيبة)، حيث إنّه كان يعرف تركيبةَ المنطقة جيّداً ويُدرك سُبلَ إبقاء معادلات الترحيب بوجود «توتال» من المدنيين قائماً.

ويضيف المصدر: إنّ نسيبة كان وعد بتوظيف 50 في المئة من أبناء مناطق الامتياز الخاصة بـ»توتال»، ولكن بعد استقالته قلّصت الإدارة الجديدة للشركة في شرق اليمن النسبة الى 25 في المئة، ما دفعَ أبناءَ تلك المنطقة لتنظيم ردود فعل احتجاجية أمام بوّابات بلوكات الغاز والنفط التابعة لـ«توتال».

والواقع أنّ تنظيم «القاعدة» الموجود داخل نسيج القبائل في محافظة حضرموت، كان فاوضَ منذ وقت مبكر من بدءِ الاحداث في اليمن، شركة «توتال» لنَيلِ مبلغ شهريّ منها. وجرى التفاوض عبر أشخاص يمنيّين محَلّيّين تابعين لـ»القاعدة» ولهم أيضاً صِلة بإدارة شركة «توتال» في صنعاء وحضرموت.

وطلبَ تنظيم «القاعدة» في اليمن من «توتال» تقديمَ مبلغ شهري لصالحه بصَرف النظر عن الإخراج الذي سيتمّ انتهاجه لتبرير إيصال هذا المال إليه. وكان أمكنَ إيجاد صيغة لتمرير هذا المبلغ ضمن التقديمات الذي كان يقدّمها نسيبة لشراء رضى بعض وجهاء القبائل وتمويل مشاريع لتنمية بيئتهم.

ولكن بعد فترةٍ مِن سرَيان تقليد تقديم أموال شهرية من «توتال» إلى «القاعدة»، طلبَت الأخيرة زيادة «الخوّة الشهرية» نحو عشرة أضعاف، واشترَطت هذه المرّة تقديمَها إلى «القاعدة» بشكل صريح. تلكّأَت «توتال» عن الموافقة، وتزامَن ذلك مع تفاقم الخلاف بين إدارتها الجديدة في حضرموت بِعد استقالة نسيبة، وبين المواطنين المحَلّيين اليمنيّين الذين نَفّذوا احتجاجات أمام بوابات بلوكات «توتال» في مناطقهم.

وقد استغلّت «القاعدة» في محافظة حضرموت غطاءَ الاحتجاجات القبيلية المحلية ضد «توتال»، حيث وجّهَت أكثرَ مِن رسالة لإدارتها العامة في حضرموت. وكان أبرزها استهداف موقعها في بلحاف جنوب شرق اليمن بصَليةِ كاتيوشا. وعقبَ ذلك، أعلنَ تنظيم «القاعدة» في اليمن أنّ «شركة «توتال» الفرنسية التي تعمل في مجال استخراج الغاز في اليمن، أصبحَت هدفاً مشروعاً لعملياته».

وتلفتُ الشخصية عينُها إلى أنّ كلّ هذه الأحداث الآنفة حصلت نهاية العام الماضي، وأنّه مع بداية العام الحالي كان الوضع يزداد توَتّراً بين «توتال» وتنظيم «القاعدة» في اليمن، ما دفعَ الأخير الى اتّخاذ قرار بنَقلِ الحرب ضد «توتال» من محافظة حضرموت الى باريس، ولكن هذه المرّة عبر توجيه الضربة الإرهابية القاسية الى الدولة الفرنسية الراعية لها، والهدف جعلُها تتدخّل لدى «توتال» للقبول بدفع «الخوّة المضاعفة» لتنظيم «القاعدة».

الأخوان كواشي: نحن «قاعدة» اليمن

بات واضحاً اليوم بالنسبة إلى فريق المحقّقين في جريمة مجلّة «شارلي إيبدو»، أنّ الأخوين المنفّذَين شريف وسعيد كواشي، كان لديهما ضمن أهمّ أهداف عمليتهما، هدفٌ محَدّد وهو تقصُّدُ أن يتركا في كلّ موقع مرّا فيه خلال تنفيذهم عمليتَهم رسالة تؤكّد أنّهما يتبعان لتنظيم «القاعدة» في اليمن وأنّهما ينفّذان هذه العملية لمصلحة هذا التنظيم. فخلال اجتيازهما حارسَ مبنى الجريدة تقصَّدَ أحد الأخوين التوقّفَ لإبلاغه بأنّه عضو في تنظيم «القاعدة» في بلاد اليمن.

وعندما سرَقا سيارة «بيجو 206» من بلدة أخرى من امرأة تعرّفت إليهما رسمياً لاحقاً بأنّهما الأخوان كواشي بحسب مصدر في الشرطة، فهي ذكرَت أنّهما أبلغاها أنّهما عضوانِ في تنظيم «القاعدة» في اليمن. والرسالة نفسُها تقصَّدَ الشقيقان كواشي تركَها مع عامل المطبعة التي التجَأَا إليها في نهاية مطاف عمليتهم قبل مقتلِهما.

واضحٌ أنّ الأخوين كواشي كانا حريصَين على إيصال رسالة إلى باريس بأنّ عملية «شارلي إيبدو» في جزء مهمّ منها هي بسبَب توَقّف «توتال» عن دفع الرشوة بقيمتها المضاعفة إلى «القاعدة» في محافظة حضرموت.

هل وصلت الرسالة؟!