IMLebanon

لماذا بادرت قوى 8 آذار إلى رفع صوتها والدفاع عن القضاء الذي حكم بإطلاق سماحة ؟

عندما اعتقل الوزير السابق ميشال سماحة قبل ما يزيد عن 4 اعوام في قضية المتفجرات التي استُجلبت من سوريا لاغراض ونيات جرمية، شعرت قوى 8 اذار بالاحراج الشديد واسقط في يدها بعد ظهور الاثباتات والدلائل المرئية والمسموعة، فتراجعت عن كل اشكال الدفاع عنه وسحبت في حينه من التداول موقفا اطلقه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، وما لبثت ان تركته وحيدا يواجه قدره، فهو في عُرفها “ارتكب خطأ فادحا كان كل الفريق بغنى عنه وعن تداعياته السلبية” في تلك اللحظة من هاتيك المرحلة الحرجة.

لكن المشهد تحوّل والآية انعكست عند اطلاقه بعد ظهر اول من امس. فقوى 8 اذار، وخصوصا العصب الرئيسي فيها، خرجت عن صمتها وبادرت عبر احد رموزها الى اصدار بيان ينطوي على اعتراض على الحملة الشرسة التي شنت احتجاجا على خطوة اطلاق سماحة.

واللافت ان الاعتراض أتى من باب الدفاع عن القضاء الذي حكم بتخلية سماحة وليس من باب الدفاع عن الرجل الذي يصعب الدفاع عنه خصوصا انه ورّط نفسه وفريقه في فخ نصبه له الخصوم فسهل اصطياده.

ومن البديهي ان منسوب الاستنفار والارتياب لدى 8 اذار قد ارتفع عندما توّجت حملة الاعتراض على اطلاق سماحة بالنزول الى الشارع وقطع طرق واوتوسترادات حساسة كونها معابر بين المناطق، فاعتبرت الحراك كله إنفاذا لامر عمليات وخطوة مبرمجة غايتها النفخ في القضية مما يعيد الى الاذهان صورة مرحلة من التأزيم والتصعيد سادت خصوصا قبيل 7 ايار عام 2008.

وبناء على كل هذه الاعتبارات، وجد فريق 8 اذار نفسه معنيا مباشرة بالتطورات التي سرعان ما اخذت منحى دراماتيكيا انطلاقا من اعتبارات عدة:

– رفض سيادة مناخ ينطوي على قدر من “الترهيب” واستخدام الشارع والعبث بالاستقرار والسلم الاهلي بغية الاستحواذ على الوضع برمته وتكريس معادلات جديدة، اما تحضيرا لامور مضمرة واما تغطية على قضايا بعينها.

_ ان التشكيك في نزاهة القضاء الذي حكم باطلاق سماحة كان سبقه دفاع عن القضاء عينه عندما اطلق اشخاصا محكوما عليهم بالعمالة لاسرائيل قبل انتهاء محكوميتهم، وهو القضاء نفسه ايضا الذي ما يزال يتردد في استدعاء اشخاص وردت اسماؤهم في ملفات وتحقيقات امنية.

_ صحيح ان من حق اي كان ابداء الاعتراض على حكم قضائي بعينه، ولكن عندما يتم اللجوء الى الشارع على النحو الذي برز بعد اقل من ساعة على الحكم بتخلية سماحة تمسي المسألة قضية وطنية بامتياز ويصير من حق الاخرين “الاستنفار” ورفع الصوت اعتراضا وتحذيرا وتحسبا، وبالتالي يصير من حق الاخرين اعتبار ان الامر تخطى الحدود والخطوط الحمر، وهو ما تجلى بعد انفلات حبل الامن وقطع الطرق وتوجيه الاهانات الى العابرين ومحاصرتهم ساعات طويلة.

واستنادا الى معلومات فانه قرابة الثامنة من ليل اول من امس كانت اسلاك الهواتف تنقل الى القيادات الامنية والعسكرية والى قيادات سياسية في فريق 14 اذار، وبالتحديد في “تيار المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي استياء “حزب الله” وحركة “امل” مما يجري على الارض، والطلب منهم القيام بواجبهم لضبط الوضع للحيلولة دون حدوث ردود فعل من شأنها ان تطيح معادلات الاستقرار الامني.

في الوقت عينه كانت رموز من قوى 8 اذار تنتقل الى منزل سماحة في الاشرفية لتوجيه رسالة الى من يعنيهم الامر جوهرها ان ما بعد الحكم القضائي باطلاق سماحة هو غير ما قبله، فهو انهى محكوميته ونال جزاءه قانونيا، والحكم باطلاقه معلل ولا مجال للطعن به، وبالتالي الرجل لن يترك وحيدا ولم يعد مكسر عصا.

وباختصار، فان كان التزام السكوت واجبا لحظة اعتقال سماحة، فان الكلام بعد الحكم باطلاقه صار واجبا.

وعلى الاثر انصرفت دوائر القرار والمتابعة المعنية في قوى 8 اذار الى عملية استشراف وتقص للدواعي والاسباب التي حدت بالفريق الاخر الى اطلاق هذه الضجة الاعلامية والسياسية بحق القضاء العسكري والى التضخيم المتعمد لهذه القضية فكانت الاستنتاجات الاتية:

– ان هذا الفريق يريد فرض امر واقع جديد في السياسة والامن عنوانه العريض: اننا ما زلنا الرقم الصعب واسياد الساحة وارباب اللعبة فيها، بمقدورنا رسم اعتراض سياسي على ما نريد وفي قدرتنا القبض على زمام الشارع كما في زمن ولّى.

– الوجه الاخر لهذا المراد التغطية على تعثر حراك سياسي قاده الرئيس سعد الحريري منذ ما يقرب من شهرين لانتخاب النائب سليمان فرنجيه رئيسا للبلاد عبر ما صار يعرف بـ”المبادرة الرئاسية”.

– التغطية ايضا على تداعيات هذه المبادرة على فريق 14 اذار وما افضت اليه من تباينات تجلت اكثر ما يكون في تلويح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بخيار تزكية خصمه التاريخي العماد ميشال عون مرشحا لملء الفراغ الرئاسي.

– العمل على شد العصب الداخلي لهذا الفريق بعد التصدع الذي اصابه والتحضير للانتقال الى مرحلة هجوم جديد.

– وثمة تحليل لبُعد استخدام الشارع فحواه التلويح ان العودة الى توسل الامن هو جزء مرادف للعبة السياسية فاذا سُدّت السبل امام السياسة بقي الاخر متاحا، والشاهد على ذلك مناخات التخوف الامني الرائجة هذه الايام.

عموما، تفترض قوى 8 اذار انطواء صفحة ما بعد اطلاق سماحة او على الاقل شحن الشارع من خلالها. فاذا كانت هبّة الاعتراض على الحكم عفوية كما يروّج اعلام 14 اذار، فانه يتعين ان تكون قد اخذت مداها، اما اذا كان ثمة من يبني عليها ليفرض وقائع جديدة فعلى متبني هذا الخيار التنبه من ردود الفعل التي قد تتخطى المرسوم.