IMLebanon

ماذا قصد باسيل بكلامه عن واقع مسيحي جديد؟

التقارب القواتي والعوني بدون شك وصل الى خواتيمه السعيدة، تنسيق على اعلى المستويات يتناول كل الملفات وزيارات واتصالات وحركة مستمرة بين معراب والرابية بدأت تثير ريبة و«حسد» المسيحيين الآخرين الذين هم خارج صورة التحالف الجديد بين القوات والعونيين، وحيث تطرح التساؤلات الى اين سيصل هذا التفاهم وما هي حدوده اذا لم يكن قادراً على فرض ميشال عون رئيساً وعلى تحصيل الحقوق المسيحية، وهل ان التفاهم سوف يكون محصوراً في الاستحقاقات الانتخابية او انه سيحمل سلة متكاملة تفاجىء المراهنين على حصر دوره؟

لعل الاجابة اتت قبل يومين من معراب التي زارها وزير الخارجية جبران باسيل في زيارة هي الاولى له منذ توقيع التفاهم في كانون الثاني الماضي وهي حملت دلالات في التوقيت وفي تصريح باسيل بان على الجميع اعتياد واقع مسيحي جديد في الساحة المسيحية وان اللقاء سيتم تسخيفه اذا ما تم حصره ووضعه في اطار الانتخابات البلدية فقط فماذا قصد باسيل بكلامه واي رسائل حملتها زيارة رئيس التيار الى معراب؟

يمكن القول كما تقول اوساط في التيار الوطني الحر ان الرسالة الاولى ان تفاهم معراب شامل وكامل وربما «خطير» على الآخرين الى من يسعى الى تهميش المسيحيين ووضعهم او حشرهم في «عنق الزجاجة»، وان التفاهم ليس محصوراً في الملف البلدي او النقابي او الانتخابي فقط انما ينسحب على كل الملفات وضمن قواعد راسخة تتضمن حلقة ومروحة واسعة من التفاهمات. اما الكلام عن واقع مسيحي جديد ومختلف فموجه لمن يخرق العرف والتقليد ولمن لا يحترم الشركة والتمثيل السياسي للطوائف، فترشيح اي شخص لا يمثل لدى المسيحيين من الطوائف الاخرى هو اهانة للمسيحيين، فالرئيس نبيه بري يتربع وفق اتفاق الطائفة الشيعية وقرارها في رئاسة المجلس منذ العام 1992 والمسيحيون يحترمون ما تقرر الطائفة الشيعية، فلماذا لا يتم تعميم هذه المعادلة وتطبيقها لدى المسيحيين؟

وتعتبر الاوساط ان تفاهم معراب والرابية شبيه بشراكة أمل وحزب الله بقرار نابع من الداخل اللبناني والوضع المسيحي، مؤكدة ان الشركة حقيقية كما ستثبتها الايام والانجاز الاول كان في قانون الجنسية وسيليه انجازات وخطوات كثيرة ستساهم في ترييح الوضع المسيحي لاحقاً، ولا تنكر الاوساط ان لكل من معراب والرابية خصوصيات معينة ولكل فريق حسابات تتعلق بوضعيته التنظيمية وكيانه الخاص ووضع حزبه على الخريطة السياسية، فثمة من يعتقد ان سمير جعجع بخطوته تجاه الرابية «ضرب ضربة معلم» واصاب عدة عصافير بحجر واحد، فهو قطع الطريق امام وصول منافسه او خصمه التاريخي في بنشعي الى بعبدا، باعتقاد كثيرين ان دروب عون الى بعبدا تشبه دروب وحظوظ فرنجيه ايضاً، وبالتالي فان ترشيح عون لن يصل الى نتيجة وبالتالي فان عون لن يدخل قصر بعبدا بسبب «فيتو» المستقبل والسعودية عليه، وبالتالي، فان جعجع سوف يكون الرابح الوحيد لانه سيربح مسيحياً ليصبح الرجل الثاني الاقوى مسيحياً بعد ميشال عون بموجب ورقة «اعلان النوايا».

بين النظريتين، فان المؤكد ان «اعلان النوايا» بين القوات والتيار فعل فعله في تهدئة الوضع المسيحي وتمتينه، وهو لا يزال يشكل متنفساً مريحاً للجو المسيحي العام الذي انهكته الانقسامات والخلافات المسيحية على مدى ثلاثين عاماً بين القوات والتيار انعكست سلباً على الوضع المسيحي وتراجعاً في الدولة، فأقل ما في التفاهم وانجازاته، كما تقول اوساط سياسية، ان نوعاً من الستاتيكو الجديد بات يحكم العلاقة بين معراب والرابية ويقوم على إلغاء التشنج السياسي وضبط النفس والحفاظ على الحد الادنى من البروتوكولات السياسية في التعاطي مع الاحداث، كما ان الوقوف جنباً الى جنب في الملفات الحيوية التي تخص المسيحيين في قضية أمن الدولة مؤخراً، بات واضحاً في مجلس الوزراء على عكس المرحلة السابقة، الواضح جداً ان القوات تسعى الى محو آثار الماضي في المجتمع المسيحي وباتت تمارس ضبط النفس وتحسب الف حساب قبل اطلاق المواقف النارية التي تزعج الرأي العام المسيحي والتي تتصل مباشرة بالملف المسيحي الذي استحوذ جزءاً اساسياً في تفاهم معراب.

ومن جهة الرابية فان الخطوة مع معراب كانت ضرورة وحاجة ملحة في ظل الأزمة المسيحية الراهنة في الحكم والفراغ في بعبدا وما يواجهه المسيحيون في المنطقة.لكن هذا التفاهم كما تقول الاوساط لا يعني لمن يراقب كل التفاصيل اليومية ان كل من معراب والرابية انتقلا الى محور سياسي خارج اصطفاف 8 و14 آذار بعد، فمعراب لم تلغ ذاتها او خصوصيتها لحساب هذا الاتفاق كما ان الرابية لم تغير في استراتيجيتها السياسية وعلاقتها بالحلفاء وما انجزته من تفاهمات سياسية، فعون لا يزال في محور 8 آذار ويلتقي مع افكاره ورؤيته السياسية، وسمير جعجع في قلب ثورة 14 آذار رغم كل الاشكاليات وتدهور العلاقة مع المستقبل، ولا واحد منهما اقترب من الخيارات السياسية للخط الآخر ولكن الاثنين تجمعهما الهواجس المسيحية التي باتت تشكل خطاً أحمر.

بدون شك، فان التقارب بين معراب والرابية قطع اشواطاً كثيرة تجاوزت مسألة العمل لايصال عون الى قصر بعبدا، الى امور اخرى وملفات شائكة اكثر ولو ان التقارب المسيحي الذي حصل في مرحلة معينة كان تقارب الضرورة لكل من عون وجعجع، فرئيس القوات لا يمكن ان يقبل ترشيح خصمه السياسي في بنشعي، وميشال عون يرغب بالوصول الى قصر بعبدا وكسر احتكار الفريق السني للقرار المسيحي ـ وهذا التقارب يشبه الانقلاب الذي قامت به قوى مسيحية في نهاية الحرب بتوحيد قرارها لاستعادة السلطة وحقوقها المصادرة ولكن نتائج هذا الانقلاب الذي من شأنه ان يؤدي الى تغيير في الكثير من المعادلات السياسية وفي خريطة التحالفات لا احد قادر على معرفة الى اين سيصل وما هي نتائجه وماذا سيحصد مسيحياً في المرحلة القادمة.