أعترف بأنني لا أفهم هذا الحوار الدائر، من طرف واحد، والذي هو أشبه بالمونولوج (إنما المبكي) حول قضية الصور والشعارات في طرابلس بالذات. وتحديداً لا أفهم ما يذهب إليه بعضهم من شطحات غير مبرّرة، وإن كانت غير غريبة عنه.
وإذا كان لا بدّ من الإسهاب في هذا الموضوع، فإنني آذن لنفسي أن أشير الى النقط الآتية:
أولاً – ليس أي طرف مسيحي أو جهة مسيحية، أو مرجع مسيحي أو هيئة مسيحية رسمية أو شعبية أو دينية (…) وراء إثارة موضوع إزالة الأعلام السوداء والشعارات الدينية أو غير الدينية. وبالتالي فإنّ ردّ فعل بعضهم على هذا الموضوع إضافة الى أنه مرفوض في المبدأ جملة وتفصيلاً هو في غير محله، وهو نابع عن تعصب أعمى، وهو محاولة (فاشلة بالتأكيد) لتحويل الموضوع عن مساره ولنقله الى صراع إسلامي – مسيحي مقيت يبدو أنه الأحب الى قلوب البعض.
ثانياً – إن الإشارة التي وردت في كلام بعضهم الى مقام يسوع الملك وسيدة لبنان في حريصا هي، أيضاً، في غير محلّها. فهذان المقامان الروحيان هما على أرض خاصة وليسا على أرض عامة. وهما مقران دينيان في كل منهما دير وكنيسة ومؤسسات الخ… وليس أي منهما مجرّد شعار مرفوع… ولم ينفع النفي الذي جاء بعدما استنكرت المرجعيات الإسلامية السياسية والدينية المرموقة والمعتدلة وبالذات سماحة المفتي مالك الشعار… بعدما إستنكروا تلك الشطحات.
ثالثاً – إن إسم الجلالة اللّه له المجد والسجود والتسبيح والشكران هو ليس حكراً على طائفة دون أخرى أو على مذهب دون سواه ذلك إن الطوائف اللبنانية تجمع على الإيمان باللّه جلّ جلاله وتمجد إسمه… فلا يزايدن أحد على أحد آخر في هذا المجال…
علماً أنه غير مطروح على الإطلاق إزالة إسم الجلالة. فقط المطروح إزالة الشعارات الذي قال المفتي الشعار، أمس، إن كل طرابلس تريد إزالتها.
رابعاً – إن إسم الجلالة رُفع في ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس ليس من باب التدين… فكلنا نذكر تلك المرحلة السوداء من الحرب اللبنانية القذرة، يوم تقرّر على يد الأجانب ضرب القوى الوطنية من مختلف الطوائف في طرابلس وسواها، وبالذات ضرب الرمز الوطني الكبير المغفور له عبد الحميد كرامي على أيدي أتباع الأجنبي من ميليشيات تلطّت بالدين. وكان المطلوب إسقاط هذا الرمز بإزالة تمثاله الذي يتوسط الساحة وفي يده وثيقة الإستقلال والميثاق الوطني… ولما كان ذلك متعذراً ان يمر بسهولة، فجرى استبدال التمثال بإسم الجلالة. وكأن اللّه سبحانه وتعالى هو موضع خلاف.
خامساً – يجب ألاّ يفوت أحداً أنّ المغفور له عبدالحميد كرامي قبل أن يكون نائباً ورئيساً للحكومة وأحد أبطال الإستقلال الذين زجّ بهم الإنتداب في قلعة راشيا (الى جانب بشاره الخوري، ورياض الصلح، وكميل شمعون، ورفاقهم…) قبل ذلك كان مفتياً للمسلمين!
سادساً – وهو الأهم: لم يذكر أحد (والأصح لم يقرّر أحد) إزالة إسم الجلالة لكي ينبري البعض الى ما صدر عنه!
يا أخي، وبالصوت العالي: لماذا إقحام المسيحيين في موضوع هم بعيدون عنه؟. ثم أليس أن قرار إزالة الصور والأعلام والشعارات هو في الأساس، متخذ بين طرفين مسلمين وتنفذه سلطة على رأسها وزير مسلم سني محترم واللّّه العظيم شيء لا يصدق أن يصل الحقد والتعصب ببعضهم الى هذا الحدّ!