من القنيطرة الى الناقورة جبهة واحدة، يديرها الحرسُ الثوري الإيراني، تلك هي خلاصة عملية اغتيال كوادر «حزب الله»، التي أسست لمعادلة جديدة، للمرة الأولى منذ تموز 2006.
خلال حرب 2006، امتنعت دمشق عن المشاركة عسكرياً، وها هو النظام السوري يخسر اليوم على ارضه ويسلّم بالوجود الايراني المباشر، لا بل يسلّم بخسارة المنطقة الاكثر استراتيجية في النزاع العربي الاسرائيلي، وهي الجولان، لمصلحة إيران.
جملة نتائج يمكن استخلاصها من هذه الغارة، أبرزها:
أولاً: على رغم النفي الاسرائيلي بمعرفة وجود ضباط ايرانيين في الموكب المقصوف، فمن الواضح أنّ اسرائيل أرادت أن توصل رسالة لايران، تهدف للتحذير من بناء أيّ قاعدة متقدِّمة لها في الجولان، وهذا التحذير مرشَح لأن يستمرّ على شكل عمليات عسكرية وأمنية، وأن تتحوّل أرض الجولان جبهة متقدِمة تضيفها ايران الى رصيدها في المفاوضات الجارية مع واشنطن في شأن الملف النووي الايراني.
ثانياً: إنّ محاولة ايران الامساك بالحدود مع اسرائيل من الناقورة الى الجولان، تُعتبر نوعاً من اللعب في المنطقة الخطرة، فإسرائيل لن تقبل بإضافة جبهة جديدة الى جبهات قتالها مع «حزب الله»، وهي فضلاً عن هذه العملية التي نفّذتها، ستطلق سلسلة من الاجراءات التي قد تؤدي الى تحويل الجولان، منطقة محمية، بعد زرع ميليشيات وتدريبها، بالطريقة نفسها التي عملت بها في جنوب لبنان، ومن هنا يأتي خوف النائب وليد جنبلاط من أن تسلّح اسرائيل دروز الجولان، وتستعملهم، لحماية حدودها.
ثالثاً: يؤكد سقوط ضباط ايرانيين في الغارة، الحضور الايراني في الجولان، ومحاولة فتح جبهة جديدة مع اسرائيل، وطبيعة الرد يُفترض أن تكون مباشرة على يد ايران، وليس بالواسطة عبر «حزب الله»، وتراوح احتمالات الرد بين إشعال جبهة الجولان، أو القيام بعملية أمنية تستهدف مسؤولين اسرائيليين، أو أيّ منشأة عسكرية أو أمنية، مع استبعاد استهداف أيّ هدف اسرائيلي في الخارج، خصوصاً بعد ما حدث في فرنسا (شارلي ايبدو)، حيث لا تريد ايران تسليط الضوء مرة جديدة عليها وعلى «حزب الله»، بارتكاب أعمال أمنية مثل عملية بورغاس.
في كلّ الحالات، وفي انتظار ردّ «حزب الله» على العملية، انشغلت الاوساط اللبنانية باحتواء إمكان أن يردّ الحزب من لبنان، وأن يؤدي ذلك الى اندلاع حرب شاملة، مثلما حصل عام 2006.
تؤكد مصادر مطلعة أنّ كلّ المساعي التي حصلت مع «حزب الله» لإعطاء ضمانات في شأن عدم الرد من لبنان، لم تُؤتِ بنتائج مطَمئِنة، إذ أصرّ الحزب على عدم كشف ما سيقوم به، خصوصاً عبر الحدود. وعلى رغم ذلك تستبعد المصادر أن يردّ الحزب بطريقة تستدرج حرباً كبيرة، في اعتبار أنّ ايران لا تريد الدخول في حرب كهذه، نظراً لظروف مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الاميركية، ونظراً للوضع الاقتصادي الناتج عن انهيار أسعار البترول.
لا تشبه عملية القنيطرة عملية الخط الازرق عام 2006، ومع ذلك فإنّ المسؤولية داخل الحكومة، ستكون مضاعفة في مواجهة خطر اندلاع الحرب. بعض الوزراء يمكن أن يدعو الى حال استنفار أو طوارئ مسبقة، في حال تدحرجت الامور الى الاسوأ، والبعض الآخر سيطلب مناقشة هذه العملية ونتائجها، وطريقة الاتفاق على تجنيب لبنان تكرار تعرّضه للحرب، وهدم بنيته التحتية.
أما عن تأثير هذه العملية في الاستقرار الداخلي، والحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، فالواضح أنْ لا تأثيرات قد تعوق استمرار هذا الحوار، الذي يستمرّ على قاعدة عدم النقاش بكلّ ما يمتّ للملف السوري، بما فيه مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا.
علماً أنّ السفير الاميركي نقل رسالة من اسرائيل الى الحكومة اللبنانية تقول إنّ أيّ ردّ لـ«حزب الله» على عملية القنيطرة، حتى لو لم يحصل من داخل الاراضي اللبنانية، ستردّ عليه اسرائيل في لبنان.